08 نوفمبر 2024
كأننا رمالٌ في العاصفة
يتجه العالم برمته حالياً نحو التطرّف الذي لم يعد مجرّد تطرّفٍ دينيٍّ يُنسب للإسلام، ويوصَم به كل من ينتمي إلى هذه الأمة، مهما كانت ثقافته، فليس التطرّف القومي أقل من التطرّف الديني حضوراً، لا في تمظهراته، ولا في شراسته. يظهر هذا لدى أفرادٍ ينتمون إلى قومياتٍ مختلفة، ولدى مجتمعاتٍ، منجزة وغير منجزة، يظهر أيضاً مزدوجاً، ديني مذهبي على قومي، في خلطةٍ قاتلة، نتيجتها هي ما نراه اليوم من الكوارث التي حدثت في بلادنا، فقط لأن شعوب هذه البلاد طالبت بالعدالة الاجتماعية والحرية، حيث خرج وحش التطرّف من مخبئه، وبدأ بالنهش، مستعيداً مظلومياتٍ وأساطير كان يجب فرمها في فرّامة التاريخ، أو مستنداً إلى مظلومياتٍ جديدة، تجد في اليومي، المحلي والعالمي، ما يثير غريزة النهش لديها. وليس التطرّف مقتصراً أيضاً على هذه البقعة من العالم، البقعة المنكوبة التي ننتمي إليها، بل بدأ يظهر في بلاد العالم المتقدّم التي يفترض أنها عبرت هذه المراحل، بعد أن دفعت أثماناً باهظة من أرواح أبنائها ودمائهم، ومرّت بكل ما تمر به شعوبنا عقوداً طويلة، ثم استقرّت بلداناً متقدمةً، لديها قوانين ودساتير ناظمة لمجتمعاتها، وتحفظ حقوق جميع مواطنيها وساكنيها، في احترامٍ شديد الوضوح لشرعة حقوق الإنسان التي أقرّتها الأمم المتحدة بعد تأسيسها بقليل.
ما الذي حدث إذاً كي يصل العالم إلى ما وصل إليه الآن، وكأن التاريخ يستعيد نفسه؟ يفند الباحثون السياسيون والاقتصاديون والاجتماعيون أسباب ذلك، مسندينه إلى مرجعيةٍ مهمةٍ تقول: "العولمة الاقتصادية والسوق الاجتماعية كان لا بد أن تؤدي إلى هذه النتيجة"، حيث تحوّل الفرد معها إلى مجرد سلعةٍ أو فأر تجارب، وبالأكثر هو موظفٌ مسحوقٌ في الشركات الرأسمالية الكبرى، إذ بات عالمنا اليوم محكوماً بنظام الشركات الكبرى التي تأكل تلك الأصغر منها، فما بالك بالأفراد، مهما كانوا، وأينما كانوا؟ وبديهياً، حين يفقد الكائن البشري إحساسه بأنه قيمة بحد ذاته، لوجوده على هذا الكوكب، ولإنسانيته ولفردانيته، فإنه سيلجأ إلى دفاعاتٍ ذاتيةٍ، تمنع عنه خطر الانسحاق. ستظهر هنا الانتماءات الأصغر من الانتماء الإنساني والبشري، وكلما ازدادت آليات سحق الفرد شراسةً، تطرّف الفرد نفسه في محاولات تمسّكه بما يحميه من التحول إلى مجرد ذرّات رملٍ في العاصفة. هذا سوف ينتج دوائر متعدّدة بانتماءات مختلفة ومتصارعة في سبيل بقائها.
ما هو الحل لتجنيب البشرية مزيداً من الكوارث القادمة نتيجة التطرّف في بلادنا، المنتجة والمستقبلة لمختلف أنواع التطرف وجنسياته؟ يتم الحديث حالياً عن الإصلاح الديني، باعتبار أن التطرّف الجهادي الإسلامي هو أكثر ما يتم تسليط الضوء عليه في الميديا العالمية. المضحك أن من يطالبون بهذا هم صنّاعه أنفسهم، هم المستبدّون والطغاة ومريدوهم. لم ينشأ التطرّف الديني في بلادنا من الفراغ، وليست أسبابه فقط هي في النص الديني، فالنص قديم، وتجربة الإسلام في بلادنا كانت براغماتيةً دائماً، تتأقلم مع سيرورة الحياة، لم تكن الراديكالية جزءاً مجتمعياً منه، وإنما ظهرت مع استشراس أنظمة الاستبداد العسكرية الأمنية في بلادنا، حيث تمت صناعتها في أقبية أجهزة المخابرات، وبإشرافٍ من أجهزة أمنية دولية عريقة، مستخرجة من النص الديني ما يُناسب المخزون الغيبي لدى العامة التي تم الفتك بوعيها شيئاً فشيئاً.
هل القول إن لا طريقة للتخلص من التطرّف، وما ينتجه من إرهابٍ إلا بالتخلص من الاستبداد وأنظمته ومؤسساته، وأولها الدينية، هو قولٌ نافل؟ نعم، غير أن الأمر أيضاً متعلقٌ بشبكةٍ مافياوية عالميةٍ بالغة التركيب، سيحتاج فكّها إلى آلياتٍ جديدة تحكم العالم، أولها في الاقتصاد، منبع كل شرور العالم، وكل خيره لو كان عادلاً.
ما الذي حدث إذاً كي يصل العالم إلى ما وصل إليه الآن، وكأن التاريخ يستعيد نفسه؟ يفند الباحثون السياسيون والاقتصاديون والاجتماعيون أسباب ذلك، مسندينه إلى مرجعيةٍ مهمةٍ تقول: "العولمة الاقتصادية والسوق الاجتماعية كان لا بد أن تؤدي إلى هذه النتيجة"، حيث تحوّل الفرد معها إلى مجرد سلعةٍ أو فأر تجارب، وبالأكثر هو موظفٌ مسحوقٌ في الشركات الرأسمالية الكبرى، إذ بات عالمنا اليوم محكوماً بنظام الشركات الكبرى التي تأكل تلك الأصغر منها، فما بالك بالأفراد، مهما كانوا، وأينما كانوا؟ وبديهياً، حين يفقد الكائن البشري إحساسه بأنه قيمة بحد ذاته، لوجوده على هذا الكوكب، ولإنسانيته ولفردانيته، فإنه سيلجأ إلى دفاعاتٍ ذاتيةٍ، تمنع عنه خطر الانسحاق. ستظهر هنا الانتماءات الأصغر من الانتماء الإنساني والبشري، وكلما ازدادت آليات سحق الفرد شراسةً، تطرّف الفرد نفسه في محاولات تمسّكه بما يحميه من التحول إلى مجرد ذرّات رملٍ في العاصفة. هذا سوف ينتج دوائر متعدّدة بانتماءات مختلفة ومتصارعة في سبيل بقائها.
ما هو الحل لتجنيب البشرية مزيداً من الكوارث القادمة نتيجة التطرّف في بلادنا، المنتجة والمستقبلة لمختلف أنواع التطرف وجنسياته؟ يتم الحديث حالياً عن الإصلاح الديني، باعتبار أن التطرّف الجهادي الإسلامي هو أكثر ما يتم تسليط الضوء عليه في الميديا العالمية. المضحك أن من يطالبون بهذا هم صنّاعه أنفسهم، هم المستبدّون والطغاة ومريدوهم. لم ينشأ التطرّف الديني في بلادنا من الفراغ، وليست أسبابه فقط هي في النص الديني، فالنص قديم، وتجربة الإسلام في بلادنا كانت براغماتيةً دائماً، تتأقلم مع سيرورة الحياة، لم تكن الراديكالية جزءاً مجتمعياً منه، وإنما ظهرت مع استشراس أنظمة الاستبداد العسكرية الأمنية في بلادنا، حيث تمت صناعتها في أقبية أجهزة المخابرات، وبإشرافٍ من أجهزة أمنية دولية عريقة، مستخرجة من النص الديني ما يُناسب المخزون الغيبي لدى العامة التي تم الفتك بوعيها شيئاً فشيئاً.
هل القول إن لا طريقة للتخلص من التطرّف، وما ينتجه من إرهابٍ إلا بالتخلص من الاستبداد وأنظمته ومؤسساته، وأولها الدينية، هو قولٌ نافل؟ نعم، غير أن الأمر أيضاً متعلقٌ بشبكةٍ مافياوية عالميةٍ بالغة التركيب، سيحتاج فكّها إلى آلياتٍ جديدة تحكم العالم، أولها في الاقتصاد، منبع كل شرور العالم، وكل خيره لو كان عادلاً.