يبذل وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، نشاطاً مكثفاً للدفع باتجاه مبادرة لإطلاق مفاوضات جديدة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، يمكن لها أن تقنع السلطة الفلسطينية بالعدول عن تحركها المرتقب باتجاه استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي، يعلن إنهاء الاحتلال في العام 2016 ويعترف بالدولة الفلسطينية.
وكشفت صحيفة "هآرتس"، اليوم الأربعاء، نقلاً عن جهات سياسية إسرائيلية رفيعة المستوى، أن كيري بحث أمر هذه المبادرة مع رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، واستفسر حول مدى استعداد الأخير للقبول بإطلاق مبادرة تعتمد حدود الـ67 أساساً للحل الدائم، مع تعديلات حدودية وتبادل أراضٍ، إلا أن نتنياهو لم يبد أي حماسة للفكرة، بل ووضع تحفظات عليها.
ولمّحت الصحيفة إلى أن كيري يعتبر أن أمامه أقل من شهر لإطلاق المبادرة، إذ يعتزم الفلسطينيون التوجّه، مطلع الشهر المقبل، إلى مجلس الأمن الدولي لطرح المبادرة التي عرضها الرئيس، محمود عباس، في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. وأشارت إلى أن الولايات المتحدة، بالرغم من إعلانها العزم على استخدام حق النقض، إلا أنها تحاول منع الوصول إلى ذلك لمسايرة الجهود المبذولة بهدف تعزيز التحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وانخراط دول عربية فيه.
وبيّنت الصحيفة أن لقاء نتنياهو وكيري قبل أسبوعين تناول هذا الموضوع، وأن كيري أبلغ نتنياهو أنه لا يزال بالإمكان توجيه التحرك الفلسطيني باتجاه إيجابي، علماً أن المسؤول الأميركي خرج بانطباع، خلال لقائه بالرئيس محمود عباس، بأن الطريق الوحيد لوقف التحرك الفلسطيني نحو مجلس الأمن هو طرح بديل جوهري، وأنه في الوقت الذي تبدي فيه الإدارة الأميركية قلقاً من المسار الفلسطيني الحالي، فإن نتنياهو، وإن كان لم يرفض موضوع المبادرة الجديدة كلياً، إلا أنه لم يبد أي حماسة لها، علماً بأنه كان قد وافق خلال الاتصالات التي جرت مطلع العام الحالي، قبل انهيار المفاوضات الإسرائيلية ـ الفلسطينية كلياً، على إجراء مفاوضات على أساس حدود 67 مع تعديلات حدودية.
وفي حال فشل الجهد الفلسطيني، بفعل حق النقض الأميركي، فمن شأن ذلك أن يدفع الفلسطينيين للانضمام إلى عشرات الاتفاقيات الدولية وطلب الاعتراف بهم كعضو في منظمات الأمم المتحدة المختلفة، والأخطر من ذلك التوقيع على اتفاقية روما والانضمام للمحكمة الجنائية الدولية.
ولفتت الصحيفة إلى أنه، بالرغم من قلق حكومة نتنياهو من التحرك الفلسطيني، إلا أنها تركز جهودها على كيفية مواجهة هذا التحرك وإفشاله، وليس على إطلاق مبادرة سياسية جديدة تخلِّص إسرائيل من تداعيات التحرك الفلسطيني في الأمم المتحدة.
ففيما يسعى الفلسطينيون لتجنيد تأييد 9 دول لصالح القرار في مجلس الأمن، فإن إسرائيل والولايات المتحدة تبذل جهوداً عكسية لحثّ الدول الأعضاء في المجلس (15 دولة) على معارضة الاقتراح الفلسطيني أو على الأقل الامتناع عن التصويت. وقد وجهت الخارجية الإسرائيلية رسالة خاصة لسفاراتها في الدول الـ15 الأعضاء في مجلس الأمن الدولي بهذا الخصوص.
ياعلون: لا دولة فلسطينية
في موازاة ذلك، كشف وزير الأمن الإسرائيلي، موشيه ياعلون، في مقابلة نشرتها صحيفة "يسرائيل هيوم"، اليوم الأربعاء، أن "الرؤية الإسرائيلية في المرحلة الحالية، لمستقبل المفاوضات مع الفلسطينيين تعتمد موقفاً واضحاً هو عدم إقامة دولة فلسطينية في المرحلة الحالية، وعدم السعي نحو اتفاق دائم مع الفلسطينيين، وإنما إدارة الصراع معهم". وقال إنّ "التوصّل في نهاية المطاف إلى اتفاق لحكم ذاتي، هو أقصى ما سيحصل عليه الفلسطينيون، ولو أطلقوا على ذلك اسم "الإمبراطورية الفلسطينية".
وجدد ياعلون الإشارة إلى الموقف الفلسطيني لناحية "إدارة الأزمة في سياق غزة وفي سياق الضفّة الغربيّة، بشكل يضمن مصالحنا ويخدمها"، معتبراً أن الرئيس الفلسطيني "ليس شريكاً للسلام، لكنه شريك للحوار". وتابع: "لا أبحث عن الحل، بل عن الطريقة الملائمة لإدارة الصراع والعلاقات بيننا، بحيث يتم تعزيز مصالحنا". ودعا إلى "وجوب التحرّر من العقيدة التي تقول بإدخال كل شيء في إطار يسمى دولة". وأضاف "هذا لا يهمني، فنحن نتحدّث في الواقع عن حكم ذاتي، وما دامت النتيجة نهاية منطقة معزولة السلاح، فهذا يعني أننا لا نتحدث عن الحفاظ على الستاتيكو القائم بل عن خلق ما يسمى طريقة حياة".
وعمّا إذا كان يرفض مبدأ الدولتين، خلافاً لتصريحات نتنياهو العلنيّة، قال ياعلون "سمّ ذلك ما شئت، أنا أتحدث عن انفصال سياسي، وقد تحقّق هذا الانفصال بيننا وبينهم، وهذا حسن، فنحن لا ندير شؤون حياتهم اليومية في الضفّة الغربيّة ولا في قطاع غزة، هذا الانفصال مهم". وفي موازاة إشارته إلى أنّ "نقاط الالتقاء بين إسرائيل والولايات المتحدة والمصالح المشتركة، تفوق كل الخلافات بينهما"، أوضح أن "أحد جوانب الخلاف في الملف الفلسطيني يدور حول مركزيّة ومحوريّة الصراع الفلسطيني ــ الإسرائيلي، وإلى أي حدّ يشكل هذا الصراع سبباً لعدم الاستقرار في المنطقة". وخلص إلى القول في هذا السياق، إنّه "لا يجد اليوم زعيماً عربياً واحداً، مثلاً، يمكنه الادّعاء أنّ المسألة الفلسطينية هي لبّ المشاكل في الشرق الأوسط، فما يشغلهم اليوم هو تهديدات إيران وداعش والإخوان المسلمين".
ونفى ياعلون، من جهة أخرى، تجميد البناء في المستوطنات، متحدثاً عن "تأخير في الإعلان عن إجراءات التخطيط والبناء لأسباب تتعلّق بحساسية الموضوع"، لافتاً إلى أنّه "يتعين التصرف بحكمة لتجنّب اتخاذ قرارات دولية ضد إسرائيل". وأكّد ياعلون أنّ إسرائيل، "في ظلّ الأوضاع الإقليميّة الراهنة، مستعدة لكلّ السيناريوهات وعلى كافة الجبهات، وليس فقط على الجبهة اللبنانية"، مهدداً في السياق اللبناني بأنّ "حزب الله لن يكون وحده من سيدفع الثمن، في حال قرر التصعيد وإنّما لبنان كلّه".