حوالي أربعين دقيقة دام لقاء رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلّف مصطفى أديب في قصر بعبدا، اليوم الاثنين، قبل أن يخرج الأخير ويكتفي بالقول أمام الصحافيين "أتيت اليوم للقاء الرئيس عون للمزيد من التشاور وإن شاء الله خير".
رئيس الحكومة المكلف مصطفى اديب بعد لقائه الرئيس عون: التقيت الرئيس عون للمزيد من التشاور pic.twitter.com/rh5bN3Rr87
— Lebanese Presidency (@LBpresidency) September 14, 2020
خطوة أديب لم تكن مفاجئة، على الرغم من أنّ المعلومات كلّها كانت تشير إلى أنّ رئيس الحكومة المكلّف سيقدّم تشكيلته النهائية للرئيس عون قبيل انتهاء المهلة الفرنسية غداً الثلاثاء، باعتبار أنّ العراقيل لا تزال موجودة.
وأشارت مصادر خاصة في قصر بعبدا، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ اللقاء بحث في مواصفات الأسماء الوزارية التي يقترحها أديب، وتتمتع بمواصفات ترضي الشارع اللبناني المنتفض وتعيد ثقة المواطنين بمجلس الوزراء. وتمسّك أديب بمنطق الحكومة المصغرة التي لا تضم أكثر من 14 وزيراً، مع التخلي عن بعض الوزارات التي لا أهمية لها ولا عمل تقوم به، خصوصاً في الظرف الراهن، وكان هناك اتجاه أصلاً لإلغائها، مع ضرورة فصل النيابة عن الوزارة لضمان مبدأ المحاسبة والمساءلة والرقابة النيابية.
أديب استمهل تقديم تشكيلته الرسمية إلى رئيس الجمهورية تفادياً لرفضها وعدم حصوله على التوقيع المنتظر
ولفتت المصادر إلى أنّ الاتصالات ستكثف في الساعات المقبلة، وسيطلع الرئيس عون المعنيين على تفاصيل المشاورات. علماً أنّ مصدراً مطلعاً على الملف الحكومي أكد لـ"العربي الجديد" أن العراقيل لا تزال موجودة، وإن كانت القوى السياسية أعلنت في العلن أنها من المسهّلة لعمل أديب.
ويقول المصدر المتابع للمشاورات الحكومية إن أديب استمهل تقديم تشكيلته الرسمية إلى رئيس الجمهورية تفادياً لرفضها من قبل الرئيس عون، وعدم حصوله على التوقيع المنتظر، من هنا فضّل الرئيسان التريث لاستكمال المشاورات لأن الرئاسة اللبنانية لا تريد أن تظهر بدور المعرقل، وهي تعلم في المقابل تبعات سقوط المبادرة الفرنسية في القضاء على ما تبقّى من عهد الرئيس عون.
وقد ظهرت العقبات أكثر أمس الأحد، مرفقة بجملة تطوّرات سياسية، أبرزها الاتصال الذي جرى بين رئيس البرلمان اللبناني، الذي يتزعّم أيضاً "حركة أمل"، نبيه بري، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والذي لم يكن إيجابياً، فأعلن بري عدم مشاركته في الحكومة، مشدداً على أنّ المشكلة ليست مع الفرنسيين بل داخلية ومن الداخل، معبّراً عن استيائه من الطريقة التي يتبعها أديب في تشكيل الحكومة، علماً أنه من الأشدّ تمسكاً بوزارة المال بذريعة التوقيع الثالث للوزير الشيعي.
وفي بيان هو الثاني من نوعه للمكتب الإعلامي لبري، أكد، اليوم الاثنين، أنّ كلّ ما يُنشر أو يُنسب إلى مصادر عين التينة (مقرّ بري) في الموضوع الحكومي غير صحيح على الإطلاق.
كذلك، تلقى رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، أمس الأحد، اتصالاً من كل من ماكرون ورئيس الحكومة المكلّف مصطفى أديب، بعد إعلان باسيل صباح الأحد بدوره عدم المشاركة في الحكومة، وتوقف عند طريقة تعاطي أديب أيضاً في الملف الحكومي، مصوّباً سهامه على بري وعدم دستورية أو ميثاقية مطلبه في أن تكون المالية للطائفة الشيعية، داعياً إلى المداورة من "باب إسداء النصائح لا التدخّل في القرار"، مع الإشارة إلى أنه لم يقبل سابقاً بالتخلي عن وزارة الطاقة التي تعاقب عليها وزراء "التيار" منذ سنوات، في ظلّ تسجيل تغيّرات في موقف رئيس "التيار" الذي تمايز عن "حزب الله"، حليفه الأبرز على الساحة السياسية، لا سيما على صعيد ملف ترسيم الحدود، وتحييد لبنان، وإشارته إلى أنّ الحزب بدأ يفكر جدياً بالعودة من سورية، في مواقف اعتبرت نوعا من الوقوف على "الحياد"، نائياً بنفسه عن العقوبات الأميركية التي من المتوقع أن تشمل في الأيام المقبلة أسماء سياسية جديدة، قد تكون لشخصيات في تياره الحزبي نصيبها أو هو شخصياً.
من جهة ثالثة، كانت لافتة زيارة رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط إلى باريس أمس الأحد، وفي هذا السياق، يقول عضو "اللقاء الديمقراطي" النائب فيصل الصايغ، لـ"العربي الجديد"، إنّ الزيارة لها شقّ عائلي وخاص، لكن من الطبيعي أنها ستحمل أيضاً مشاورات مع الإدارة الفرنسية وشخصيات سياسية رفيعة المستوى، لتسهيل مبادرة الرئيس ماكرون ورسم الخطوات المقبلة لما بعد تشكيل الحكومة، وقد يتم اللقاء بين جنبلاط والرئيس ماكرون، علماً أنه قد لا يكون معلنا للإعلام.
كان ماكرون حازماً في موقفه خلال لقائه الأحزاب السياسية، ولوّح باستخدام عصا العقوبات في حال نكثت القوى السياسية بوعودها، واستكملت منطق المحاصصة والفساد في إدارات الدولة
ويشدد الصايغ على أن لا بديل من المبادرة الفرنسية لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية والمعيشية والنقدية، والقوى السياسية على يقين بذلك، مضيفاً: "من هنا، أرى أن العراقيل كلّها ستزول، وسنشهد ولادة للحكومة قريباً جداً، وخلال أيام، باعتبار أنّ ثمن عدم تشكيل الحكومة باهظ جداً وكارثي وأكبر من المحاصصة والمنطق الذي كان سائداً في الماضي".
ويؤكد عضو "اللقاء الديمقراطي" أنّ اللقاء والحزب التقدمي الاشتراكي سبق أن أعلنا عدم المشاركة في الحكومة تشجيعاً للمستقلّين وأصحاب الاختصاص، وعلى الجميع أن يقتنع بذلك، والعبرة تبقى في مواكبة عمل الحكومة من داخل مجلس النواب.
في المقابل، غرّد رئيس "الحزب الديمقراطي اللبناني" النائب طلال أرسلان وهو حليف "التيار الوطني الحر"، عبر "تويتر" اليوم الاثنين، وكتب: "إذا اعتُمد مبدأ المداورة في توزيع الحقائب، إضافة إلى معيار الكفاءة كما يدّعون، فيصبح بديهياً إعطاء الدروز حقيبة سيادية وفقاً للمعايير المطروحة؛ وهنا على الأشباح المولجين بالتأليف استدراك الأمر. وبالمناسبة لن نعترف بأعراف تبقي طائفة الموحدين المؤسسة للكيان خارج الحقائب السيادية".
إذا اعتمد مبدأ المداورة في توزيع الحقائب إضافة إلى معيار الكفاءة كما يدّعون، فيصبح بديهياً إعطاء الدروز حقيبة سيادية وفقاً للمعايير المطروحة؛
— Talal Arslan (@talalarslane) September 14, 2020
وهنا على الأشباح المولجين بالتأليف استدراك الأمر.
وبالمناسبة لن نعترف بأعراف تبقي طائفة الموحدين المؤسسة للكيان خارج الحقائب السيادية.
وأثمرت الضغوط الفرنسية بعد استشارات نيابية ملزمة، كانت سريعة جداً، في تكليف القوى السياسية مصطفى أديب بـ90 صوتاً تشكيل حكومة جديدة في 31 أغسطس/آب الماضي، قبيل ساعات على زيارة الرئيس ماكرون الثانية إلى لبنان، والتي حملت جملة وعودٍ بمساعداتٍ مالية فرنسية ودولية، مقابل تعهدات محلية بتشكيل حكومة خلال 15 يوماً، تعمل على إصلاحات فورية بفترة لا تتخطى الأشهر الثلاثة، على أن يعود ماكرون إلى بيروت في زيارة ثالثة استكمالاً للمبادرة الفرنسية.
وقال مصدر دبلوماسي فرنسي لـ"العربي الجديد"، إنّ ماكرون قام بجملة اتصالات في الـ24 ساعة الماضية بقادة سياسيين، وأكد أمامهم أنه لا يمانع تمديد المهلة الفرنسية لأيام قليلة ومعدودة، من باب المحافظة على المبادرة، ولعلمه بالصعوبات الموجودة وتعقيدات التركيبة اللبنانية، لكن صبره لن يكون طويلاً. علماً أنّ الرئيس الفرنسي كان حازماً في موقفه خلال لقائه الأحزاب السياسية، سواء بشكل فردي أو في الاجتماع الموسّع، ولوّح باستخدام عصا العقوبات في حال نكثت القوى السياسية وعودها، واستكملت منطق المحاصصة والفساد في إدارات الدولة.
ويستغلّ رئيس الحكومة المكلّف مصطفى أديب الدعم الفرنسي، وهو ما عرّضه لانتقادات، آخرها من بري وباسيل، في حديثهما عن "الاستقواء بالخارج وعدم إطلاق مشاورات مع القوى السياسية"، وهذا مشهد غير مسبوق في لبنان ولن "تهضمه" بسهولة الكتل المتحكمة بالبلاد، التي تفرض عادة الثلث المعطل وتحتكر الوزارات وتقسّمها على نفسها كقالب الجملة حزبياً وطائفياً، تماماً كالأسماء التي لم يطلع عليها المسؤولون السياسيون، في صورة نادرة أيضاً، ويحرص أديب على سرية العمل منعاً "لحرق الأسماء"، ما عرّضه لضغوطات سياسية كبيرة وصلت إلى حدّ تردد أنباء عن اتجاهه إلى الاعتذار، لكنه، حتى الساعة، يريد استكمال مهمته لتشكيل الحكومة ويتريث قبل أي قرار نهائي يتخذه.