حين تنشغل منظومة نظام الأسد الإعلامية بتوضيح حاكم مصرف سورية المركزي، عن نسبة تمويل الصادرات، وأنه يموّل فقط 5% من قيمة الواردات وما قيل عن رفع سقف التمويل غير صحيح، تسأل نفسك: ما هي القصة ولماذا كل هذا الاحتفاء؟
وربما تتمادى لتقول في سرك: ماذا يعني أن يموّل المصرف الواردات، أو بصيغة أدق لماذا يمولها؟
وقد يروق لك "المونولوغ" الداخلي وتسأل، مَن من التجار يموّل المصرف المركزي، وترى: ما هي السلع التي يتم تمويلها؟
قصارى القول: ليستوي القول ربما، لابد من التذكير أن سورية وقبل حرب نظام الأسد على الثورة، كانت تصدر النفط والفوسفات والغاز والكهرباء، وتصدر القمح والبقوليات والخضر والفواكه، وكذا القطن والأقمشة والملبوسات، وتصدر الأواني المنزلية وبعض الأجهزة الكهربائية... بل وتصدر حتى نباتات الزينة والمشروبات الكحولية.
أما بعد سبع سنوات من الحرب، فباتت سورية تستورد، حتى القمح والطحين وهي بلد الخمسة ملايين طن قمح، وتستورد جميع حوامل الطاقة وهي المنتجة لنحو 400 ألف برميل نفط يومياً، بل وتستورد القماش والألبسة وتدخل الألبسة المستعملة تهريبا لأسواقها، وهي بلد المليون طن قطن خام.
ولتضح الصورة أكثر، زادت صادرات الجارة الأردن لسورية، بنحو 160% عما كانت عليه قبل الثورة، وباتت إيران، وليس الاتحاد الأوروبي شريك سورية التجاري الأول.
أما عن السؤال الصعب، لمن تمنح إجازات الاستيراد، فالإجابة ومن خلال بيانات مؤسسات النظام الأسدي، لئلا نتهم بالمناطقية، تقول وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية أن عدد الإجازات والموافقات الممنوحة في العام 2017 لغاية نهاية أيلول/سبتمبر الماضي بلغ 15654 إجازة وموافقة استيراد منها 14710 إجازات وموافقات للقطاع الخاص، و944 إجازة وموافقة للقطاع العام.
ويقول مدير اقتصاد طرطوس، محمود إسماعيل، إنه تم منح 996 إجازة استيراد للقطاع الخاص بطرطوس، خلال نفس الفترة، وقال تيسير سلطانة، مدير اقتصاد اللاذقية، إنه منح للقطاع الخاص بالمحافظة، 2760 إجازة استيراد.
وأما إذا أخذنا بالحسبان أن كبار تجار هاتين المدينتين الساحليتين "مسقط رأس بشار الأسد" يعيشون بدمشق ويتحكمون بتجارتها، فعلى الأرجح سنعرف لمن تُمنح إجازات الاستيراد بسورية، بمن فيها عقود استيراد القمح من روسيا والنفط من إيران.
ربما يخطر هنا لقارئ أن يسأل، لماذا التركيز فقط على الاستيراد، ماذا عن التصدير وعقوده، نقول قليلاً ما تصدر سورية، ومنذ خمس سنوات، سوى بعض المنتجات الغذائية لروسيا، وبعض الألبسة والمنتجات للعراق وطهران، وعقود التصدير يسري عليها استنتاج عقود الاستيراد.
نهاية القول: لطالما أعلنت سورية، ومنذ ما قبل الثورة بعشرين سنة، الانفتاح وتحرير التجارة والأسواق، لماذا لا يتم، بواقع حاجة الأسواق، فتح باب الاستيراد للتجار، ما يتيح منافسة حرة ويكون الفيصل للعرض والطلب والجودة والسعر، فتعج الأسواق بالمنتجات وتنكسر الأسعار لصالح المستهلكين.
وربما الأهم، لا يستنزف المصرف المركزي ما تبقى لديه من قطع أجنبي عبر تمويل الاستيراد، وتغيب ميزة أسعار الدولار المتعددة بالسوق النقدية السورية وربما تتوقف الليرة عن التهاوي.
ببساطة، لأن حلاً كهذا يتيح الفرصة للجميع ولا يبقي الاستيراد والربح والتحكم بالأسواق وتجويع السوريين، حكرا على نظام الأسد وآله ومناصريه.
ولأن فتح الاستيراد لمن يرغب ومن حيث يرغب، يكشف عورات ويزيل فزاعات، يعتمدها الأسد بحربه على السوريين، ويخلق على الأرجح، نزاعات بين النظام وحلفائه الذين يحتكرون التصدير ويقايضون الديون والدعم العسكري بنفاد سلع ذات مواصفات متدنية، بل وأحيانا غير صالحة للاستخدام البشري، وربما بالمنتجات الغذائية الإيرانية التي نتج منها حالات تسمم، مثال عن غيض ليس إلا.
وأيضاً، سيكشف فتح الاستيراد خرق الدول، الصديقة والشقيقة، للعقوبات المفروضة منذ عام 2012 على نظام الأسد، وقد تصل السلع، نتيجة الاستيراد والعرض الزائد، لأهالي الغوطة وإدلب المحاصرين بلقمتهم، فتفشل حرب التجويع التي يعتمدها الأسد، لتركيع السوريين.