قد يبدو تناول شعار "لا للتدخل الخارجي" أو الحديث عنه ممجوجاً، بعد أن سمعنا هذه العبارة كثيرا تُتداول على الألسن، فقد تم الركون إليها من قبل كثيرين، ممن يدّعون أن بتموقعهم المضاد لشعوب البلاد التي يتسلطون على حكمها إنما يؤدون أدوارا يلوذون بها عن حمى البلاد ومن يعيش فوق ترابها.
بينما، وبعد أربع سنوات من انطلاقة ثورات الشعوب العربية، إن لم نقل بعد قرابة قرن من استعمار قلب الوطن العربي، واستغلال بقية أقطاره على يد الآلة الاستعمارية عينها، تلك التي مارست وتمارس وستمارس نهبها لنا، ما لم يتم القطع مع حراس استمراريتها من ديكتاتوريي بلادنا، ما يتم في أقطارنا هو التدخل بعينه، بل العبث الهمجي والبربري.
ولا نتخيل أن دواعش أو ممانعين كان لهم أن يتجبروا إلى هذا الحد دونما أن تتوفر لهم رعاية، وتدليل على أيادي التدخل، المرفوضة شعبيا، والمنقوم عليها عربيا على امتداد ما لنا من سواحل وخلجان وصحارى، حتى في أقاصي ألم أرضنا التي تعاني احتلالا إحلاليا، سواء في قدسنا أو جولاننا.
فالصوت العربي اليقظ الأبيض واحد وموحد، لكنه يشكو الوحدة، نعم "لا للتدخل الخارجي" من فلسطين نسمعها، ومن القاهرة، وكذلك الرباط وصنعاء، وكذا الكويت وطرابلس، الغربية والشرقية، بإيقاع متقارب. كل ما هو عربي ينشد المغزى ذاته، يريد الحرية، والعدالة الاجتماعية، ويرفض القهر والذل والقمع، ولكن في الوقت عينه، لا غاية تبرر الوسيلة لديه، فالشارع العربي، ومن فيه من شباب، يحملون آلام الوطن، وما له من حلم على أكفهم، يدركون جميعا، بل ويشدون بحناجرهم، ويؤكدون بحدقات الأعين، أن لا يد خارجية، لا دولية ولا إقليمية، لها حق العبث بمستقبلنا، وأيضا حاضرنا، وبالأخص مآل ثوراتنا ومصير طموحاتنا في الحرية.
إذ من الشائع عربيا، أن لا غريبَ يدخل الدار إلا جالبا ما هو أسوأ وأشد إيلاما، حيث كنا قد تعلمنا هذا الدرس مرارا وتلقيناه، منذ أن شرذم وطننا العربي الكبير، وعطلت نخبنا التنويرية ونفيت من الجغرافيا، كما حجر على ذكرها في السرد والتاريخ، هذا دون إغفال ما نهب من ثروات، وأفشل، بل وأحبط، بقوة السلاح حينا، والإعلام أحيانا، من ثورات لدينا ولنا.
فلماذا "لا للتدخل الخارجي"؟ حقا لماذا؟!
بدون طرح ما هو واسع وغير واضح وكبير ومبهم، بل بأشد البساطة وأيسرها، قالوا، أي شباب الوطن العربي وربيعه، ونقول، وسنقول على الدوام: "لا للتدخل الخارجي"، وبحرص بالغ كحرصنا على قول وممارسة لا للظلم ولا للديكتاتورية ولا للعسكر وبراثنهم وخزعبلاتهم القومجية السمجية، التي يمكنها ادعاء ما تريد، إلا النفس العروبي والضمير القومي والحرص الوطني، فهي، وللأسف، بعيدة كل البعد عن هذه المفردات، بمقدار قربها من عدم ملاءمة وجودها في مواضع السلطة وتلبس تمثيلاتها.
إذن، وبكل ما يتوفر من وضوح، يمسي مفهوماً أن صرخة أبناء ليبيا الأحرار، ومن تشرق الشمس من جبينهم على تلك الرمال الذهبية، لرفض العبث الخارجي، والقصف الجوي المتآمر على أقدار شعب عاف جنون هستيريا "ملك الملوك"، فانتفض ثائرا مغردا بأن كفى وإلى الجحيم في وجه كل ما يعادي إنسانية شعب هذا البلد المأفون. كما يتضح كل النداء والمقاومة لنيران تشظية البلد وتفتيته، التي ترتكز إلى حجج ليست أقل صفاقة من حجج مَن تمركز في دمشق وأطلق دواعشه ونواطير موته للاقتصاص من دماء من سعوا إلى الحرية وإحقاق الكرامة، أو الذي اقتات طويلا على جثة بغداد بعد احتلالها ببث خطاب وممارسة موغلين في الطائفية، كما لا يختلف التوصيف فيما يرتبط بمن تقلد هيئة قائد مليشيا أخ له في العدوان على الحرية، ولكن في بقعة أخرى بذات التمويل الطائفي والتعجرف "الممانع".
ستبقى قلوب الأحرار رافضة لكل ما هو دخيل، محتضنة للأصيل، منافحة عنه.
راسلونا على: Jeel@alaraby.co.uk