لماذا تدعم روسيا عبد الفتاح السيسي؟ (1)

17 يونيو 2014
رشح بوتين من موسكو السيسي للرئاسة في فبراير 2014(getty)
+ الخط -
يتحدث عدد من الخبراء الروس عن مصالح جيوسياسية تقف خلف الحماسة الروسية اللافتة في تأييدها للرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، والنظام القائم بعد انقلاب يوليو/تموز الماضي، وعن تراجع للدور الأميركي في الشرق الأوسط على حساب توسع الدور الروسي. البعض الآخر يتحدث عن مصالح اقتصادية مباشرة، تتمثل بصفقات سلاح واستثمارات محتملة في الغاز والطاقة النووية، وآخرون يرون انتصاراً لروسيا في انكسار حلقة الربيع العربي المصرية، وغيرهم عن التقاء النقيضين- موسكو والرياض في احتضان السيسي.

معلوم أن عبد الفتاح السيسي تلقى دعماً علنياً مبكراً من الكرملين. فقد قال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، للسيسي، أثناء زيارته كوزير للدفاع إلى موسكو، وكان قد أتم انقلابه على محمد مرسي:"أعلم أنكم قررتم خوض الانتخابات لمنصب رئيس جمهورية مصر، وهو قرار على درجة عالية من المسؤولية، أن تأخذوا على عاتقكم مسؤولية مصير الشعب المصري. وأنا، باسمي وباسم الشعب الروسي، أتمنى لكم النجاح".

عسكري ولكنه مختلف

في محاولة لفهم موقف الكرملين، وربما لتبريره، رأى مدير مركز تحليل صراعات الشرق الأوسط التابع لأكاديمية العلوم الروسية، ألكسندر شوميلين، وفقاً لصحيفة "فيدوموستي"، أن السيسي يمثل "سياسة مصرية جديدة، تبتعد إلى حد ما عن الولايات المتحدة، وتستعيد مكانة موسكو".

ثم جاء ، كبير الباحثين في معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية، فلاديمير بلياكوف، ليلفت على موقع svpressa، إلى جملة عوامل تساعد في فهم علاقة روسيا بمصر ــ السيسي، على رأسها أن "روسيا، بخلاف بلدان الغرب، تفهمت عزل الرئيس محمد مرسي من منصبه، وحينها أعلن الرئيس بوتين عن احترامه لإرادة الشعب المصري". ثم تحدث بلياكوف عن عودة القطبية وبروز دور روسيا من بوابة الأزمة السورية.

وإذ يرى معظم المحللين والخبراء حرجاً في تأييد انقلاب عسكري، يحاول بعضهم تجميل الأمر بدعوى أن "الوضع الحالي في مصر مختلف تماماً، فمن ناحية الحرية السياسية، نرى تعددية في مصر، فهناك أكثر من خمسين حزباً سياسياً وكثير من وسائل الإعلام، ومن أجل ذلك ناضلوا في ميدان التحرير وحصلوا على ما يريدون. أما حصولهم على ذلك مع كثير من المشاكل، فهذه مسألة أخرى. من حيث شكل الحكم، بقي الأمر على حاله، ولكنه في جوهره شيء آخر، إنها مرحلة جديدة" ، على حد تعبير بيلياكوف على موقع "روسيا ما وراء العناوين".

وفي السياق، تجد من يحاجج بوجود أنظمة تناسب شعوباً دون أخرى. فها هو فلاديمير إيسايف، الدكتور في العلوم الاقتصادية من معهد بلدان آسيا وافريقيا لدى جامعة موسكو، يرى أن مجيء عسكري إلى السلطة يعدّ أهم ميزة بالنسبة لمصر، ويقول إنّ الحكم العسكري يمثّل شكلاً تقليدياً لهذا البلد الأفريقي.

وبصورة مشابهة، تأتي البروفيسورة مارينا سابرونوفا، من معهد موسكو للعلاقات الدولية لتقول، في الموقع ذاته: "أنظر بتفاؤل إلى مستقبل مصر. فقد دلّ عامٌ من وجود السيسي في السلطة على أنه قادر على ضمان الأمن والاستقرار. بدأ الوضع في شبه جزيرة سيناء يسير نحو الاستقرار، وظهر أن السلطة سوف تستخدم القوة لمنع تصعيد الوضع، كما بدأت مصر تستعيد مواقعها وسوف تصبح في المستقبل القريب دولة اقليمية عظمى".

العقدة السورية

لا تخفى المصلحة الروسية في أن كسب موقف مصري يقف ضد ثورات الربيع العربي التي تخشاها موسكو. فمن جانبها، وعدت مصر أن تتعاون بفعالية أكبر مع روسيا في المنطقة. وفي إشارة إلى الصراع الدائر في سوريا، قال وزير الخارجية الروسية، سيرغي لافروف، إن "جامعة الدول العربية اتخذت في العامين الماضيين قرارات متسرعة إلى حدٍ ما". وبحسب ما جاء في صحيفة "كوميرسانت" الروسية، فقد أصرَّ المحاورون المصريون على أن القاهرة، بعد الإطاحة بمحمد مرسي، تؤيد بشكلٍ كامل موقف الرئيس فلاديمير بوتين بخصوص سورية، والذي دافعت عنه في جامعة الدول العربية، معتبرةً أن الحل يجب أن يكون سياسياً وذلك في إطار مؤتمر جنيف-2".

مبارك جديد يناسب روسيا

يعتقد فلاديمير سوتنيكوف، كبير الباحثين العلميين في مركز الأمن الدولي بمعهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية لدى أكاديمية العلوم الروسية، أن النظام المصري، بوجود السيسي، سوف يتجه جزئياً نحو النموذج الذي كان موجوداً في عهد حسني مبارك، ولكنه بالطبع لن ينسخه بالكامل، لأن "الوضع السياسي الداخلي في عهد مبارك يختلف جوهرياً عن الوضع الحالي، حيث تهيمن الآن قوى أخرى على الساحة السياسية المصرية"، و"على الأرجح فإن العسكر سوف يقترحون شيئاً خاصاً بهم بعد أن استكملوا نموذج مبارك". وأعرب عن ثقته بأن المشير السيسي سوف يصبح رئيساً آخر "لمدى الحياة"، الأمر الذي كان عادياً لبلدان الشرق الأوسط على مدى عقود من الفترة التي سبقت "الربيع العربي"، مستبعداً أن يتمكن أي حاكم في ظل مثل هذا التطور المتنامي للأحداث في الشرق الأوسط، أن يعزز حكمه قبل 10 أو 15 سنة.

تبادل أدوار أم احتلال مواقع؟

من زاوية انحسار الحضور الأميركي في بعض المناطق، وتخليها عن بعض الملفات، واحتلال روسيا للفراغ، رأى نيقولاي سوركوف، الأستاذ المساعد في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية أن "السيسي يَعِد بالاعتماد على روسيا في مجال مكافحة الإرهاب وتعزيز قدرات مصر العسكرية. وهذا يفسره جزئياً أن الولايات المتحدة، شريكة مصر التقليدية، غالباً ما تستخدم تجميد المساعدات العسكرية كأداة ضغط سياسية".

في المقابل، لم يفت فلاديمير سوتنيكوف، الباحث في مركز الأمن الدولي، الاشارة إلى أن مصر لن تدير ظهرها للولايات المتحدة، من ناحية أن غالبية الجنرالات المصريين، بمن فيهم المشير السيسي نفسه، تلقوا تعليمهم العسكري في الولايات المتحدة، مؤكداً أن "السلطات المصرية قررت الآن تطوير العلاقات مع روسيا من أجل تنويع مصادر التسليح، نظراً لظهور فتور في العلاقات مع واشنطن، ولكن مع أخذ الخلفية التعليمية والمهنية للعسكريين المصريين بالاعتبار، فمن المحتمل جداً أن يطرأ الدفء من جديد على العلاقات مع الولايات المتحدة في المستقبل القريب".

وفي إشارة إلى الدور الروسي المرتقب، يجيب وزير الخارجية المصري نبيل فهمي، في نوفمبر/تشرين الثاني، 2013، عن سؤال عما إذا كانت موسكو ستستطيع أن تصبح الشريك الرئيس لمصر بدلاً من واشنطن، بالقول إن "وزن روسيا يجعلها أكبر من أن تكون بديلاً لأحد". روسيا تبحث عن مصالحها، وليس عن مصالح الدول الأخرى وشعوبها، فهل يستخلص السيسي مصلحة لمصر وشعبها من العلاقة مع روسيا، أم يقتصر تفكيره كما عوّدنا العسكر على حماية الكرسي؟ 
المساهمون