31 أكتوبر 2024
لماذا لا يريد العرب انتفاضة فلسطين؟
لم تكن الانتفاضات الفلسطينية تحظى بأي دعم لوجستي عربي رسمي حقيقي، (ما خلا بعض الفتات من المال ربما!)، لكنها كانت كل مرة تجد لغة عربية حانية، في الإعلام العربي المسيطر عليه من السلطات "المختصة"، غير أن انتفاضة السكاكين، أو الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، هذه الأيام، تكاد تكون محرومة حتى من هذا الدعم العربي، بل وجدنا من بعض كتاب العرب ومعلقيهم هجوماً صريحاً على الفلسطينيين، وانحيازاً بيّنا إلى جانب المعتدين. أكثر من ذلك، رأينا على شاشات عربية من يسمي المقاومة اعتداء، ومن يضفي على قتلى الصهاينة صفة الشهادة، فيما يسمي الضحايا الفلسطينيين قتلى. السؤال: لماذا لا يريد النظام العربي الرسمي أن يرى انتفاضة في فلسطين؟ بل لماذا يحاربها بكل قوة؟
تقول معلومات تتسرب "من تحت الطاولة" إن قادةً عرباً، يرتبطون بعلاقة ممتازة مع تل أبيب، يضغطون على محمود عباس لـ "تهدئة" الأوضاع، بكل السبل، ويحذرونه من "فقدان السيطرة" في الضفة الغربية، استجابة لدعوة نتنياهو بهذا الخصوص، فقد ذكرت القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي، قبل أيام، أن اتصالات سياسية مكثفة، عربياً ودولياً، تجري في كل ساعة، لمحاصرة ما سمته "التدهور الميداني" الحاصل، وإعادة الأمور إلى سابق عهدها، مع تأكيد إسرائيلي ومتكرر، كاذبٍ طبعاً، من نتنياهو، أنه لن يغير الستاتيكو في المسجد الأقصى، ولن تقدم حكومته على أي تغيير أو تقسيم زماني!.
نفهم أن تحرص إسرائيل على "تهدئة الأوضاع"، فما مصلحة العرب في ذلك؟ لو عدنا قليلاً إلى الوراء، لتذكّرنا حجم الاستثمار العربي الرسمي الذي خصص لدفن الربيع العربي، وتحويله إلى موسم دام، ملطخ بالطين. أريقت مليارات الدولارات في شوارع بلاد الربيع، لكي تحاصر ثورات الشباب، ولم تدخر أنظمةٌ جهداً في ركوب الخيارات "الصعبة"، فحركت دباباتها، وسحقت جماجم الثوار، وفتحت لمن نجا منهم أبواب السجون على مصراعيها، فمات من مات، وشوّه من شوه، ولم تزل الأقبية تبتلع آلافاً من هؤلاء، حتى إذا اطمأن النظام العربي لدخول "الجماهير" سباتها التقليدي، جاء أهل الأقصى وفلسطين، لإعادة الألق لرأي الشارع، وحركة الجماهير، وبعث الربيع من رقدته الخريفية، فكان ما يحدث في شوارع القدس وغيرها كالكابوس الذي يقض مضاجع القوم، وقد هيئ لهم أنهم طووا صفحة الربيع، مرة واحدة، وللأبد.
ما فشلت فيه إسرائيل، بكل قوتها وجبروتها، لا يمكن أن ينجح فيه النظام العربي، بل إن جذوة الربيع العربي، وجمره الوقّاد، لم يزل كامناً تحت الرماد، لأن الأسباب التي أدت إلى ثورات الربيع لم تزل قائمة، بل ازدادت شراسة بعض الأنظمة، أملا في خنق كل صوت، يخرج بعيداً عن معزوفتها المشروخة.
تنبأ كاتب هذه السطور، وفي هذا المنبر تحديداً (العربي الجديد،25 مارس/آذار 2015) بأن
الشرق العربي في انتظار الموجة الثانية من الربيع العربي. ولكن، لم نكن نعلم أنها ستأتي بنكهة مقدسية، ولعل هذه النكهة تحديداً هي ما ستمنح هذا الربيع نسغ البركة والديمومة، وطرح الثمار. وهنا، تحديداً، تبرز رغبة عارمة في المقارنة بين ثورات الربيع العربي وربيع فلسطين، ربما محاولة تجنيب ثورة فلسطين المصير البائس الذي آلت إليه ثورات الربيع العربي، ولو مرحلياً.
أولاً، تبدو ثورة فلسطين، حتى الآن، بلا رأس، ولا قيادة، ومن المفترض، بل الواجب، أن تفرز قيادتها، بعيداً عن "شيوخ" النضال الطاعنين في المنافع، أو التكلس الثوري، خصوصاً وأن ثورات الربيع العربي عانت من سرقة جهد الشباب، من تنظيمات وقوى قائمة. وبالتالي، لم يتم قطف الثمار المرجوة، وآلت الأمور إلى ما آلت إليه.
ثانياً، كانت شعارات ثورات الربيع العربي، في مجملها، تتركز حول "الشعب يريد إسقاط النظام" أو "إصلاحه!"، فيما تتركز شعارات ربيع فلسطين غالباً حول الأقصى الشريف، والإعلان عن فدائه بالأرواح. ولم تتطرق صراحة إلى إنهاء الاحتلال، لجهة الشعارات التي تُرفع على الأقل، وإن كان "الفعل" موجهاً إلى جسد الاحتلال، والرغبة في "قتله" وإنهائه، ويتمثل هذا بتوجيه الطعنات والدهس إلى رموزه، كالجنود والمستوطنين.
ثالثاً، غابت عن ربيع فلسطين مظاهر الاحتجاج الجماهيري، إلى حد ما، باستثناء الالتزام بدعوات الإضراب، وتظاهرات التضامن التي تنظمها التنظيمات الشعبية. وربما نشهد، فيما بعد، نشاطات من هذا النوع، وهي إحدى أهم التعبيرات الثورية، التي تلفت نظر وسائل الإعلام العالمية. وفي وسعها تجنيد مزيد من الدعم الجماهيري الأجنبي لربيع فلسطين، وإحراج سلطات الاحتلال الإسرائيلي التي لن "تتسامح"، كما هو متوقع، مع نشاطات كهذه، وستحاول مواجهتها بالقوة، الأمر الذي يفقدها الزعم بأنها تواجه "إرهاباً فلسطينياً".
وبعد، ليس مهماً عمّا سيتمخض ربيع فلسطين، أو انتفاضة السكاكين، ليس لأن هذا الأمر لا يعنينا. لا، ليس الأمر كذلك، فهو غاية في الأهمية. ولكن، لأن "المنجز" الذي حققته بطولات هؤلاء الفتية من الأهمية والضخامة، بحيث يغنينا، مرحلياً، عن انتظار النتائج التي قد تتأخر كثيراً، لأن فلسطين ليست محتلة من اليهود فقط، بل من الكون كله، وبواكي اليهود أكثر من أن نحصيهم، ويعيش كثيرون منهم بين ظهرانينا، ونعرفهم واحداً واحداً وبالاسم. نحن لا نعيش في الأوهام، فلسطين لن تتحرر إلا حينما تتحرر الأمة من الطغاة والقتلة، والجواسيس والخونة، وقد تكون "شرارة" تحرير فلسطين مفتاح تحرير الأمة بأسرها. من يدري.
تقول معلومات تتسرب "من تحت الطاولة" إن قادةً عرباً، يرتبطون بعلاقة ممتازة مع تل أبيب، يضغطون على محمود عباس لـ "تهدئة" الأوضاع، بكل السبل، ويحذرونه من "فقدان السيطرة" في الضفة الغربية، استجابة لدعوة نتنياهو بهذا الخصوص، فقد ذكرت القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي، قبل أيام، أن اتصالات سياسية مكثفة، عربياً ودولياً، تجري في كل ساعة، لمحاصرة ما سمته "التدهور الميداني" الحاصل، وإعادة الأمور إلى سابق عهدها، مع تأكيد إسرائيلي ومتكرر، كاذبٍ طبعاً، من نتنياهو، أنه لن يغير الستاتيكو في المسجد الأقصى، ولن تقدم حكومته على أي تغيير أو تقسيم زماني!.
نفهم أن تحرص إسرائيل على "تهدئة الأوضاع"، فما مصلحة العرب في ذلك؟ لو عدنا قليلاً إلى الوراء، لتذكّرنا حجم الاستثمار العربي الرسمي الذي خصص لدفن الربيع العربي، وتحويله إلى موسم دام، ملطخ بالطين. أريقت مليارات الدولارات في شوارع بلاد الربيع، لكي تحاصر ثورات الشباب، ولم تدخر أنظمةٌ جهداً في ركوب الخيارات "الصعبة"، فحركت دباباتها، وسحقت جماجم الثوار، وفتحت لمن نجا منهم أبواب السجون على مصراعيها، فمات من مات، وشوّه من شوه، ولم تزل الأقبية تبتلع آلافاً من هؤلاء، حتى إذا اطمأن النظام العربي لدخول "الجماهير" سباتها التقليدي، جاء أهل الأقصى وفلسطين، لإعادة الألق لرأي الشارع، وحركة الجماهير، وبعث الربيع من رقدته الخريفية، فكان ما يحدث في شوارع القدس وغيرها كالكابوس الذي يقض مضاجع القوم، وقد هيئ لهم أنهم طووا صفحة الربيع، مرة واحدة، وللأبد.
ما فشلت فيه إسرائيل، بكل قوتها وجبروتها، لا يمكن أن ينجح فيه النظام العربي، بل إن جذوة الربيع العربي، وجمره الوقّاد، لم يزل كامناً تحت الرماد، لأن الأسباب التي أدت إلى ثورات الربيع لم تزل قائمة، بل ازدادت شراسة بعض الأنظمة، أملا في خنق كل صوت، يخرج بعيداً عن معزوفتها المشروخة.
تنبأ كاتب هذه السطور، وفي هذا المنبر تحديداً (العربي الجديد،25 مارس/آذار 2015) بأن
أولاً، تبدو ثورة فلسطين، حتى الآن، بلا رأس، ولا قيادة، ومن المفترض، بل الواجب، أن تفرز قيادتها، بعيداً عن "شيوخ" النضال الطاعنين في المنافع، أو التكلس الثوري، خصوصاً وأن ثورات الربيع العربي عانت من سرقة جهد الشباب، من تنظيمات وقوى قائمة. وبالتالي، لم يتم قطف الثمار المرجوة، وآلت الأمور إلى ما آلت إليه.
ثانياً، كانت شعارات ثورات الربيع العربي، في مجملها، تتركز حول "الشعب يريد إسقاط النظام" أو "إصلاحه!"، فيما تتركز شعارات ربيع فلسطين غالباً حول الأقصى الشريف، والإعلان عن فدائه بالأرواح. ولم تتطرق صراحة إلى إنهاء الاحتلال، لجهة الشعارات التي تُرفع على الأقل، وإن كان "الفعل" موجهاً إلى جسد الاحتلال، والرغبة في "قتله" وإنهائه، ويتمثل هذا بتوجيه الطعنات والدهس إلى رموزه، كالجنود والمستوطنين.
ثالثاً، غابت عن ربيع فلسطين مظاهر الاحتجاج الجماهيري، إلى حد ما، باستثناء الالتزام بدعوات الإضراب، وتظاهرات التضامن التي تنظمها التنظيمات الشعبية. وربما نشهد، فيما بعد، نشاطات من هذا النوع، وهي إحدى أهم التعبيرات الثورية، التي تلفت نظر وسائل الإعلام العالمية. وفي وسعها تجنيد مزيد من الدعم الجماهيري الأجنبي لربيع فلسطين، وإحراج سلطات الاحتلال الإسرائيلي التي لن "تتسامح"، كما هو متوقع، مع نشاطات كهذه، وستحاول مواجهتها بالقوة، الأمر الذي يفقدها الزعم بأنها تواجه "إرهاباً فلسطينياً".
وبعد، ليس مهماً عمّا سيتمخض ربيع فلسطين، أو انتفاضة السكاكين، ليس لأن هذا الأمر لا يعنينا. لا، ليس الأمر كذلك، فهو غاية في الأهمية. ولكن، لأن "المنجز" الذي حققته بطولات هؤلاء الفتية من الأهمية والضخامة، بحيث يغنينا، مرحلياً، عن انتظار النتائج التي قد تتأخر كثيراً، لأن فلسطين ليست محتلة من اليهود فقط، بل من الكون كله، وبواكي اليهود أكثر من أن نحصيهم، ويعيش كثيرون منهم بين ظهرانينا، ونعرفهم واحداً واحداً وبالاسم. نحن لا نعيش في الأوهام، فلسطين لن تتحرر إلا حينما تتحرر الأمة من الطغاة والقتلة، والجواسيس والخونة، وقد تكون "شرارة" تحرير فلسطين مفتاح تحرير الأمة بأسرها. من يدري.