هناك أشياء أيقونية لجيل ولكنها قد لا تعني شيئاً لجيل آخر. هذا عادي. رغم أن الأيقونة من طبعها الثبات والعبور من جيل إلى آخر. مثل: شعار البلاد، علمها، الرموز الدينية، هذه تظل حاضرة أمام الأنظار (في الأمكنة العامة تحديداً) وماثلة في الذهن، ويمكن استدعاؤها بسهولة.
لأبناء جيلي ممن عرفوا انطلاقة الثورة الفلسطينية (الرصاصة الأولى) صبياناً يحيل شعار حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" إلى زمن ووجوه. يحضر، في ذهني كلما رأيت "شعار العاصفة" زمن البدايات الأولى للثورة الفلسطينية في الأردن، معسكر تدريب الأشبال، شرقي سكة حديد الحجاز، بمدينة الزرقاء الأردنية، شوارع منطقة الفاكهاني في بيروت الغربية، قبعتا ياسر عرفات وخليل الوزير (أبو جهاد). مثلما يرتبط، في ذهني، شعار الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بزمن ووجوه وأحداث أخرى، وربما مختلفة. يحضر غسان كنفاني مصمّم شعار الجبهة الذي يحمل حرف "جيم" يصبح سهماً يشير إلى خارطة فلسطين الكاملة من النهر إلى البحر، ويعطيه اللون الأحمر نوعاً من الخيار الأيديولوجي.
هاتان أيقونتان في ذهن جيلي مثلاً، ولكنهما لا تعنيان الكثير لجيل ابني. لأن أيقونيتهما لم تتمكن من العبور، من مرحلة إلى أخرى، بالهالات التي أحاطتها أول مرة. فكرت في شعار "العاصفة" باعتباره أيقونة جيل ومرحلة ولم أكن أعرف أن مصمّمه هو الفنان السوري الراحل (هذا العام) نذير نبعة. يمكن لشعار الجبهة الشعبية أن يستمر من دون تقادم؟ إنه يحمل حرف الجيم الذي يشير إلى التنظيم (الذي قد يكف عن الوجود) بيد أن السهم الذي يشير إلى خارطة فلسطين (كأيقونة، حلية، ميدالية، وأشكال من الإكسسوارات التي تباع في الأسواق) سيبقى صالحاً للعمل.
ولكن ماذا بشأن شعار العاصفة الذي صمَّمه نذير نبعة في أواخر ستينات القرن الماضي وفي ذروة موجة الكفاح المسلح التي عرفها العالم؟ إنه شعار عسكري مئة بالمئة. هو شعار العاصفة، الجناح العسكري لحركة التحرير الفلسطينية "فتح". تتكون رسمة نذير نبعة من درع عليه يدان تمسكان بندقتين واحدة بحربة والثانية تبدو أقرب إلى الرشاش منها إلى البندقية العادية وتحت تقاطع اليدين هناك قنبلة يدوية. ثمة على خلفية الدرع واليدين جزء من خريطة فلسطين التاريخية. اليدان الممسكتان بالبندقتين تمثلان العلم الفلسطيني، وفي خلفية الرسمة هناك خط لاسم القوة العسكرية التابعة لحركة فتح: العاصفة، مكتوبة بخط الثلث. أما الكلمات التي ترافق التصميم فهي تحمل اسم حركة "فتح" وشعارها الشهير: ثورة حتى النصر.
لم يتمكن الشعار من اختراق حجب المستقبل ليرى أن الثورة لن تنتصر، في ما تبقى لرواد الحركة الأوائل، وللمنخرطين في درب الكفاح المسلح، من عمر. لم ير قادة الحركة انتصار الثورة. بل حدث العكس: هزيمتها العسكرية على يد إسرائيل، القوة العسكرية الأكبر في المنطقة، المدعومة من أكبر قوة على الأرض، وفي حالة من التخلي العربي التام عن نصرة الثورة.
لم تنتصر الثورة. اغتيل قادتها على يد العدو، ماتوا على يد الشيخوخة والأمراض، شاب وتراخى الجيل اللاحق لهم، ويكاد أن يسلّم اليوم راية الثورة الممزقة إلى عدوها التاريخي على طبق من الاستسلام المجاني.
لم يحسب شعار حركة فتح، وتصميم نذير نبعة المدجج بالسلاح، حساباً لمكر التاريخ. فالثورات قد لا تنتصر. والحق لا يكفي، وحده، ليقيم دولته على الأرض. والبنادق والقنابل ليست كل أسلحة الشعوب التي تناضل من أجل تحرير أرضها. فماذا بوسع شعار حركة فتح وتصميم نذير نبعة أن يفعلا اليوم في "المقاطعة"؟ بل هل بوسعهما أن يمثِّلا شيئاً مما آلت إليه حركة التحرر الوطني الفلسطيني التي أطلقت رصاصتها في مستهل عام 1965؟
لأبناء جيلي ممن عرفوا انطلاقة الثورة الفلسطينية (الرصاصة الأولى) صبياناً يحيل شعار حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" إلى زمن ووجوه. يحضر، في ذهني كلما رأيت "شعار العاصفة" زمن البدايات الأولى للثورة الفلسطينية في الأردن، معسكر تدريب الأشبال، شرقي سكة حديد الحجاز، بمدينة الزرقاء الأردنية، شوارع منطقة الفاكهاني في بيروت الغربية، قبعتا ياسر عرفات وخليل الوزير (أبو جهاد). مثلما يرتبط، في ذهني، شعار الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بزمن ووجوه وأحداث أخرى، وربما مختلفة. يحضر غسان كنفاني مصمّم شعار الجبهة الذي يحمل حرف "جيم" يصبح سهماً يشير إلى خارطة فلسطين الكاملة من النهر إلى البحر، ويعطيه اللون الأحمر نوعاً من الخيار الأيديولوجي.
ولكن ماذا بشأن شعار العاصفة الذي صمَّمه نذير نبعة في أواخر ستينات القرن الماضي وفي ذروة موجة الكفاح المسلح التي عرفها العالم؟ إنه شعار عسكري مئة بالمئة. هو شعار العاصفة، الجناح العسكري لحركة التحرير الفلسطينية "فتح". تتكون رسمة نذير نبعة من درع عليه يدان تمسكان بندقتين واحدة بحربة والثانية تبدو أقرب إلى الرشاش منها إلى البندقية العادية وتحت تقاطع اليدين هناك قنبلة يدوية. ثمة على خلفية الدرع واليدين جزء من خريطة فلسطين التاريخية. اليدان الممسكتان بالبندقتين تمثلان العلم الفلسطيني، وفي خلفية الرسمة هناك خط لاسم القوة العسكرية التابعة لحركة فتح: العاصفة، مكتوبة بخط الثلث. أما الكلمات التي ترافق التصميم فهي تحمل اسم حركة "فتح" وشعارها الشهير: ثورة حتى النصر.
لم يتمكن الشعار من اختراق حجب المستقبل ليرى أن الثورة لن تنتصر، في ما تبقى لرواد الحركة الأوائل، وللمنخرطين في درب الكفاح المسلح، من عمر. لم ير قادة الحركة انتصار الثورة. بل حدث العكس: هزيمتها العسكرية على يد إسرائيل، القوة العسكرية الأكبر في المنطقة، المدعومة من أكبر قوة على الأرض، وفي حالة من التخلي العربي التام عن نصرة الثورة.
لم تنتصر الثورة. اغتيل قادتها على يد العدو، ماتوا على يد الشيخوخة والأمراض، شاب وتراخى الجيل اللاحق لهم، ويكاد أن يسلّم اليوم راية الثورة الممزقة إلى عدوها التاريخي على طبق من الاستسلام المجاني.
لم يحسب شعار حركة فتح، وتصميم نذير نبعة المدجج بالسلاح، حساباً لمكر التاريخ. فالثورات قد لا تنتصر. والحق لا يكفي، وحده، ليقيم دولته على الأرض. والبنادق والقنابل ليست كل أسلحة الشعوب التي تناضل من أجل تحرير أرضها. فماذا بوسع شعار حركة فتح وتصميم نذير نبعة أن يفعلا اليوم في "المقاطعة"؟ بل هل بوسعهما أن يمثِّلا شيئاً مما آلت إليه حركة التحرر الوطني الفلسطيني التي أطلقت رصاصتها في مستهل عام 1965؟