06 نوفمبر 2024
ليست "دلوعة الشاشة" فقط
ارتبط اسم دلوعة الشاشة في ذهني بملاحظة أبداها أحد الأقرباء تجاه شقيقي الأصغر الذي كان يحاول لفت الانتباه، بتصرّفات صبيانية أمام ضيوف متباينين في المكانة والقرابة، فعلق أحدهم على خطأ فادح، ارتكبه الصغير المدلل، وتغاضت عنه الأم، وضحكت في حرج، على أمل أن يضحك الآخرون: هذا دلوعة الشاشة، فكل شيء له يكون مسموحاً.
وللأسف فـ "دلوعة الشاشة" في أي عائلة هو من يجلب لها المصائب والكوارث، بسبب الإفراط في التدليل من العائلة، والإفراط في الثقة من ناحيته بأن الجميع سيغفر له. وغالباً ما يكون الدلوع أو الدلوعة من الشخصيات الاتكالية التي سرعان ما يظهر فشلها في الحياة. ولذلك، من الظلم أن يطلق على قامةٍ فنيةٍ، مثل الفنانة التي رحلت قبل أيام، وهي الفنانة الشاملة شادية، لقب "دلوعة الشاشة"، وهو لقب أطلقه عليها أحد الصحافيين، محاولة منه للبحث عن لقبٍ يليق بكل هذه القدرات الفنية المتفجرة، وظل اللقب ملتصقاً بها على الرغم من أنها أثبتت وجودها، ولم تستغل قدرتها على "الدلع" فقط.
أغلب ما قرأته عن شادية كان عن ارتباط وجودها على الساحة الفنية بذكريات الصبا والشباب لمعظم من كتبوا وتحدثوا عنها، وهي استطاعت، على الرغم من اعتزالها الفن منذ سنوات بعيدة، أن تبقى محبوبة الجماهير من الجنسين حتى وفاتها. ومن ذلك أنني، في الثمانينيات، كنت فتاة مراهقة تفتحت عيناها على مشاعر الرومانسية مع صوت شادية وأفلامها. وفي الوقت الذي كانت تلملم فيه شادية أوراقها، وتقرّر الاعتزال، بعد أن أصبحت في الخمسينيات من عمرها. وفي قرارٍ لم تعدل عنه، اعتزلت وارتدت الحجاب، وبدأت في الانخراط بنشوةٍ جديدةٍ، تختلف تماماً عن نشوة الأضواء والنجومية، لكنها سكنت خيالي، شابة جميلة أنيقة ورقيقة، تطل علي من الشاشة، في أفلام الأبيض والأسود، فتحب في صمت، وتتمنّع في دلال، وتهجر في عنفوان، وتغني في صدق، وتبكي في ألم يفجع قلبي ليلة بعد ليلة، وأنا أسترجع صورتها، وهي تتقلب في سريرها. وفي كل مرة كنت أعيش معها، حتى وهي تؤدي دوراً كوميدياً، فأضحك وأتصرف مثلها، فيما بيتنا الذي نشأت فيه كان يعيش حالة من الانضباط، بحكم أن والدي كان معلماً، وجعل بيتنا صورة مصغرة من فصل دراسي، فكل شيء فيه بحساب.
أوجعت قلبي شادية وبشدة في فيلمها الرائع "نحن لا نزرع الشوك"، وبكيت رحيلها في نهاية الفيلم. ومن الغريب أن يبكي الجمهور رحيل مومس، لكنها أقنعته بصدق أدائها أنها كانت ضحية مجتمعٍ، كفتاة من الطبقة الفقيرة، حاولت أن تجد لها مكاناً في الحياة، فكانت كمن يرقص على السلالم. وأبكتني شادية، وهي تسترجع وحيدةً أغنيتها لطفلها في فيلم "المرأة المجهولة". وشعرت معها بمشاعر الأمومة التي لم أكن قد خبرتها بعد. وإن كان ذلك يدل على شيء، فهو صدق إحساسها، على الرغم من أنها حرمت من الأمومة طوال حياتها، لكنها أمتعتنا كأمهات، وأبكتنا وهي تغني وتمثل في دور الأم.
من محطات مهمة في حياة شادية نجاحها ممثلة، بعد أن كانت تصنف مغنية، وقبولها بالظهور في أفلام مع مغنين وممثلين حصانا رابحا؛ ليجدوا لهم مكاناً على الساحة الفنية التي كانت تتربع عليها. ومن هؤلاء المغني والممثل والمخرج محمد سلمان الذي شاركته فيلم "قدم الخير"، لكنه لم يستطع إقناع الجمهور بصلاحيته للتمثيل، فيما أقنعتنا هي في الفيلم بأنها ممثلة نادرة، بعفويتها وبساطتها وخفة دمها. ومن المحطات اللافتة في مسيرتها قرار اعتزالها لتحافظ على صورتها، وعدم استجابتها لأي إغراء لكي تعود للأضواء، وعدم متاجرتها بقرار ارتداء الحجاب، أو الرجوع عنه، كما تفعل ممثلات أخريات، وكذلك أنها غنت لمصر، وليس لزعيم أو رئيس. ولذلك ستبقى حبيبة مصر والعرب، إنها شادية ابنة الزمن الجميل.
وللأسف فـ "دلوعة الشاشة" في أي عائلة هو من يجلب لها المصائب والكوارث، بسبب الإفراط في التدليل من العائلة، والإفراط في الثقة من ناحيته بأن الجميع سيغفر له. وغالباً ما يكون الدلوع أو الدلوعة من الشخصيات الاتكالية التي سرعان ما يظهر فشلها في الحياة. ولذلك، من الظلم أن يطلق على قامةٍ فنيةٍ، مثل الفنانة التي رحلت قبل أيام، وهي الفنانة الشاملة شادية، لقب "دلوعة الشاشة"، وهو لقب أطلقه عليها أحد الصحافيين، محاولة منه للبحث عن لقبٍ يليق بكل هذه القدرات الفنية المتفجرة، وظل اللقب ملتصقاً بها على الرغم من أنها أثبتت وجودها، ولم تستغل قدرتها على "الدلع" فقط.
أغلب ما قرأته عن شادية كان عن ارتباط وجودها على الساحة الفنية بذكريات الصبا والشباب لمعظم من كتبوا وتحدثوا عنها، وهي استطاعت، على الرغم من اعتزالها الفن منذ سنوات بعيدة، أن تبقى محبوبة الجماهير من الجنسين حتى وفاتها. ومن ذلك أنني، في الثمانينيات، كنت فتاة مراهقة تفتحت عيناها على مشاعر الرومانسية مع صوت شادية وأفلامها. وفي الوقت الذي كانت تلملم فيه شادية أوراقها، وتقرّر الاعتزال، بعد أن أصبحت في الخمسينيات من عمرها. وفي قرارٍ لم تعدل عنه، اعتزلت وارتدت الحجاب، وبدأت في الانخراط بنشوةٍ جديدةٍ، تختلف تماماً عن نشوة الأضواء والنجومية، لكنها سكنت خيالي، شابة جميلة أنيقة ورقيقة، تطل علي من الشاشة، في أفلام الأبيض والأسود، فتحب في صمت، وتتمنّع في دلال، وتهجر في عنفوان، وتغني في صدق، وتبكي في ألم يفجع قلبي ليلة بعد ليلة، وأنا أسترجع صورتها، وهي تتقلب في سريرها. وفي كل مرة كنت أعيش معها، حتى وهي تؤدي دوراً كوميدياً، فأضحك وأتصرف مثلها، فيما بيتنا الذي نشأت فيه كان يعيش حالة من الانضباط، بحكم أن والدي كان معلماً، وجعل بيتنا صورة مصغرة من فصل دراسي، فكل شيء فيه بحساب.
أوجعت قلبي شادية وبشدة في فيلمها الرائع "نحن لا نزرع الشوك"، وبكيت رحيلها في نهاية الفيلم. ومن الغريب أن يبكي الجمهور رحيل مومس، لكنها أقنعته بصدق أدائها أنها كانت ضحية مجتمعٍ، كفتاة من الطبقة الفقيرة، حاولت أن تجد لها مكاناً في الحياة، فكانت كمن يرقص على السلالم. وأبكتني شادية، وهي تسترجع وحيدةً أغنيتها لطفلها في فيلم "المرأة المجهولة". وشعرت معها بمشاعر الأمومة التي لم أكن قد خبرتها بعد. وإن كان ذلك يدل على شيء، فهو صدق إحساسها، على الرغم من أنها حرمت من الأمومة طوال حياتها، لكنها أمتعتنا كأمهات، وأبكتنا وهي تغني وتمثل في دور الأم.
من محطات مهمة في حياة شادية نجاحها ممثلة، بعد أن كانت تصنف مغنية، وقبولها بالظهور في أفلام مع مغنين وممثلين حصانا رابحا؛ ليجدوا لهم مكاناً على الساحة الفنية التي كانت تتربع عليها. ومن هؤلاء المغني والممثل والمخرج محمد سلمان الذي شاركته فيلم "قدم الخير"، لكنه لم يستطع إقناع الجمهور بصلاحيته للتمثيل، فيما أقنعتنا هي في الفيلم بأنها ممثلة نادرة، بعفويتها وبساطتها وخفة دمها. ومن المحطات اللافتة في مسيرتها قرار اعتزالها لتحافظ على صورتها، وعدم استجابتها لأي إغراء لكي تعود للأضواء، وعدم متاجرتها بقرار ارتداء الحجاب، أو الرجوع عنه، كما تفعل ممثلات أخريات، وكذلك أنها غنت لمصر، وليس لزعيم أو رئيس. ولذلك ستبقى حبيبة مصر والعرب، إنها شادية ابنة الزمن الجميل.