غزة، أطفالها، نساؤها، رجالها، والتراب فيها. فقط غزة، ولا شيء آخر على الشاشات اللبنانية. فقد بثّت المحطات اللبنانية الثماني نشرة موحدة لنصرة فلسطين. هكذا، وتحت شعار "فلسطين، لستِ وحدكِ"، كان يمكن أن ترى المشهد نفسه على "المنار" و"المستقبل"، وحتى "الجديد" و"أل بي سي آي"، و"أم تي في"، و"تلفزيون لبنان"، و"أن بي أن"، و"أو تي في".
انطلقت النشرة عند الساعة الثامنة وعشر دقائق من مساء الاثنين، بعد أيام من التحضير والإعلانات. وكانت كلمات محمود درويش هي المدخل، والتي تؤكد، وسط صور من الدمار والدماء، أن "على هذه الأرض ما يستحقّ الحياة". بعدها، أطلّت مذيعة "تلفزيون لبنان" ندى صليبا، قائلة إنّ "فلسطين قبلتنا التي نحملها بين جرحَين". ثمّ وجهت مذيعة "أن بي أن" تحية الى أرض فلسطين "التي طوعتنا جنوداً في كتيبة الحبر والصورة". ووجّهت داليا أحمد على "الجديد" تحية إلى القدس وغزة وعكا، لتوجّه ديما صادق بدورها عبر شاشة أل بي سي آي" تحية إعلامية "الى مصابيح القدس العتيقة". وكان الكلام الأكثر تعبيراً عن الحالة اللبنانية، هو ما قالته مذيعة الـ"أم تي في"، ديانا فاخوري"، حيث اعتذرت من فلسطين "لانشغالنا عنها بهذيان السياسة عندنا". وأعلنت مذيعة "أو تي في" أن كاتب مقدمة النشرة هو طلال سلمان، مؤسس صحيفة "السفير". حينها، انقسمت الشاشة إلى قسمين. في القسم الأول، مذيع قناة "المنار" علي المسمار، الذي أكّد أن الجرح واحد، "والموقف واحد من فلسطين وشعبها". أما في القسم الثاني، فأطل مذيع قناة "المستقبل" منير الحافي. ولعلّ هذا المشهد، هو الأغرب على بصر اللبنانيين منذ عام 2004.
تضمّنت النشرة تقارير من مراسلي مختلف القنوات المذكورة. تقارير تحدّثت عن الحجر والبشر في فلسطين ووجعهما الواحد في وجه آلة الحرب الاسرائيلية. فرأينا من غزة، حياة العائلات الغزاوية المهجّرة من منازلها، والصائمة في رمضان، في تقرير لمراسل "المستقبل" عمر البشير. بعدها، كان تقرير ملفين خوري من "أو تي في" عن أمهات الشهداء في غزة. وعن أطفال غزة الذين اعتادوا أن يعيدوا بناء ما تهدّم بسبب إسرائيل، تحدثت منى صليبا في تقرير قناة "أم تي في". ووجّه أطفال بلدة مروحين اللبنانية الى أطفال فلسطين تحيّة، طالبين منهم عدم الخوف، في تقرير الـ" أل بي سي آي ". وعن المقاومين الأجانب مثل كارلوس، وكوزو اوكوموتو، وراشيل كوري، تحدّث جاد غصن في تقرير من "الجديد". وقدّم حسن حمزة من "المنار" تقريراً عن تطور السلاح الفلسطيني من الحجر إلى الصاروخ. ومن "تلفزيون لبنان"، تحدثت نايلة شهوان عن تأثير الأطفال في الانتفاضات الفلسطينية الثلاث. ولتنتهي النشرة بتقرير لليندا مشلب من قناة "ان بي أن" عن مخيمات الشتات الفلسطيني.
حملت التقارير والكلمات والصور همّاً واحداً مشتركاً، هو الوجع الفلسطيني. وفي وقت توقّع الجميع أن تخرج النشرة الموحّدة عن الإطار العادي لنشرات الأخبار، إلا أن بعض التقارير التي عُرضت كانت شبه منسوخة عن وكالات الأنباء. فاحتار المشاهد بين مشاعر التعاطف مع غزة، ومشاعر خيبة الأمل من بعض هذه التقارير.
يبقى الأمر الإيجابي في المبادرة حاضراً. وهو توحّد الشاشات الثماني على اختلافها واختلافاتها، من أجل فلسطين. فأصبح ممكناً، لمرة واحدة فقط، أن نشاهد ديانا فاخوري على "المنار"، ومنير الحافي على "الجديد"، وداليا أحمد على الـ"أو تي في". أمس فقط، كان ممكناً أن نرى مشهداً مُوحّداً في وقت ذروة المشاهدة على الشاشات اللبنانية، ونسمع كلاماً عن المقاومة وفلسطين المنسيّة.
اقترح الفكرة مؤسس صحيفة "السفير" طلال سلمان. ولهذه الغاية، أجريت اجتماعات عدة الأسبوع الماضي في مكاتب "السفير"، للوصول إلى هذه النشرة. في البداية، رفضت بعض القنوات السير في المبادرة، كلّ واحدة لأسبابها. فبحسب بعض المصادر وجدت "المنار" في البداية صعوبة في تجاوز "المانع الشرعي" لديها بإطلالات ستّ مذيعات "سافرات". لكنّ نقاشات مُطولة، أسفرت عن مشاركة الجميع.
يعتبر رئيس تحرير قناة "المستقبل" حسين الوجه أن "الإعلام اللبناني يُعبّر عن حجم الانقسامات السياسية الحادة، وما حصل أمس، هو محاولة لإيصال رسالة للعالم وللشعب الفلسطيني أننا نحس بألمه". يبدو الوجه متفائلاً في قدرة النشرة الإخبارية على الوصول إلى الرأي العالم العالمي. يقول لـ"العربي الجديد": يهتمّ الإعلام الغربي بهذه الخطوات، وهو في الغرب لديه تأثير كبير".
من جهتها، تعتبر المسؤولة في نشرة أخبار "ال بي سي"، لارا زلعوم، أن "أحداً لم يعترض على الفكرة من القنوات اللبنانية". وتقول لـ"العربي الجديد" إن "هذا هو أقل ما يمكننا أن نفعله، فنحن نؤكد للشعب الفلسطيني أننا نُحس بألمه، ونعرف ماذا تعني آلة الحرب الإسرائيلية".
على مواقع التواصل الاجتماعي، حصر اللبنانيون المبادرة في ثلاثة أمور: أولاً إطلالة ديانا فاخوري ومنير الحافي على قناة "المنار". ثانياً إذاعة "أم تي في" لكلام يُمجّد المقاومة وفلسطين، وثالثاً قيمة المبادرة نفسها. ونشر المستخدمون على وسم #LB4GAZA صوراً عدة من النشرة الموحدة، أكثرها انتشاراً كانت لفاخوري والحافي مع شعار "المنار".
واختلف الناشطون في تقييمهم المبادرة. فاعتبر بعضٌ أن المبادرة "لا قيمة لها"، معتبرين أنّها "لن تصل إلى العالم، ولن تُغيّر شيئاً في حقيقة ما يحدث في فلسطين". واعتبرت إحدى المغرّدات أن المبادرة تبعث على التفاؤل، آملة أن تتكرر في المستقبل. ورأى أحد الناشطين على "فيسبوك"، أن المبادرة إيجابية، خصوصاً في ظل عدم انطلاق تظاهرات حاشدة لأجل غزة من بيروت. وقال مغرّد آخر: الآن وقد توحّدنا لأجل فلسطين، فلنختلف مجدّداً لأجل سورية.
ووصلت القيمة المعنوية للنشرة الموحّدة إلى العالم العربي، فعبّر الغزاويون على "تويتر" و"فيسبوك" عن امتنانهم لما قدمته المحطات اللبنانية. ولعلّ التعليق الأطرف جاء من أحد الناشطين المصريين على "فيسبوك"، إذ قال: حدّ شاف الإعلام اللبناني عمل إيه عشان غزة؟ همّا ليهم إعلامهم وإحنا لينا لميس!.