ولادَة
هَذا اللَّيلُ
حَليبُ يَتَدفَّقُ
من أثْداءِ أشْجَار.
أشْجَارٌ بِأرحامٍ ضَيِّقةٍ
حَيثُ تُسْمعُ دائماً
صَرخَاتُ أجِنَّةٍ تَشُقُ تُرَابَ الأَرْضِ
مِثْلَ شَظَايَا قَلْبٍ يَتَألَّمُ،
دُمُوعُ السَّنَابِلِ العَطْشَى
فِي هَذَا اللَّيْلِ المُلْقَى في الحَقلِ كَجُثَّةٍ.
لَيلٌ طَوِيلٌ
يَنزلُ أدْراجَ أيَّامِنَا،
ويخْتفِي فِي سَرادِيبَ غير مَرْئية.
هُنَاكَ، الفَراغُ الرهيب
وَأَنِينُ الأَبْوابِ المُصْطَفِقَةِ عَلَى الأَبَدِيةِ
يُشْعِلُ الخَوفَ فِي الظَّلاَمِ المُتَمَدّدِ.
■
لَيْلٌ
يَطْرُقُ الأَبْوابَ
غِبَّ كلِّ ذِكْرى بَعيدَةٍ.
وكأنَّهُ
صَدى يَتردَّدُ
فِي زَوايَا الأَبَدِيَّةِ،
حَيْثُ يُولَدُ الهَوَاءُ مَشْنُوقاً
مِثْلَ جِرارٍ مُعلَّقةٍ إلَى أغْصَانِ شَجَرةٍ.
■ ■ ■
مَرَّةً أُخْرَى
مرَّةً أُخْرَى
تَفحَّمَتْ
هَذِهِ الوَرَقَةُ
بِالأَبْيضِ،
قَبْلَ وُصُولِ
قِطَارِ اللَّيْلِ،
وقَبْلَ أَنْ تُطْفِئَ المَدِينَةُ
أَضْوَاءَهَا،
ويَسْتسلِمَ المَوتَى
لسُبَاتٍ غَائِرٍ
تَحْتَ التُّرابِ،
حَيثُ تَتشَابكُ جُذُورٌ سَمِيكَةٌ
عَمِيقاً،
فِي ذَاكِرَتِنَا المُعَلَّقَةِ إلى أسْلاَكِ المَطَرِ.
■
مَرَّةً أُخْرَى
يَغسِل المَطَرُ
بُقَعَ الصَّدَأ العَالقِ بِالذَّاكِرةِ
وكَأنَّه حِبْرٌ أَزْهَرَ
أَثَارُ العَاشِقِ لا تَمْحُوهَا السِّنُونَ،
دَمٌ يَسيلُ
مِنْ قَلبِ عُصْفُورِ.
سَاقُ وَرْدةٍ حَمرَاءَ
فِي مَهَبِّ الأَلَمِ
■ ■ ■
ضَوءٌ بَعيدٌ
أَسِرتْنِي
أحْلامُ اللَّيلِ...
كَانتْ تَرْمِينِي
بالوُرُودِ،
وتَختَفِي
مِثْلَ أمْواجٍ
تَنفَجرُ زبَداً نَاصِعاً
غَيرَ أَنَّنِي،
ألْمَحُ نُقْطَةَ ضَوءٍ فِي البَعيدِ، البَعِيدِ
مِثْلَ قَرْيةٍ فَوْقَ الجَبَلِ، دُونَ أَنْ أَصِل
دُونَ أَنْ أَصِل، فَقَط
فِي البَعِيدِ، البَعِيدِ،
أَلمَحُ وُجُوهاً غَامِضَةً
وَالبِئْرُ العَمِيقُ كَقَلْبِ يَتِيمٍ
وَرَائِحَةُ الدَّمِ تُزْهِرُ قُرُنْفُلاَ...
* شاعر من المغرب