ماذا لو بقينا صامتين؟

08 يناير 2017
+ الخط -
حينما يلتفني الصمت، يأخذني إلى عالمه، نكون قد أطلقنا آلاف التناهيد المنزوية في الصدر، نكون قد أطلقنا سراحها من سجن الكلمات وهذيان الجمل.
لا نلجأ إلى الصمت هرباً من ثرثرة الحروف وأبجديات الجمل، أو لأنّنا ضعفاء لا حيلة لنا في مجابهة الحياة بكتلها البشرية، أو لأنّ الحديث عن مشاهد الأيام بما تحمله من لقطات متعددّة، كألم راسخ أو رأس عنيد يكاد أن ينفجر بعد تفخيخه، كتلك البراكين الثائرة، حينما تفور تقذف حممها البركانية، هو ما يجعلنا نحجم عن الكلام أو يجعلنا نهواه؛ بل لأنّ حديثنا أصبح عن الكره والحقد مبدأ سامياً، الكثير والكثير منّا أصبح ممن ينالون الشرف، ويحظون بأوسمة التقدير في جعلهم هذا العالم الجميل متسخ بمفردات اللغة، في تفخيخه في تشييد أواصر الكراهية، في تمريرها للجميع كحلوى حلوٌ مذاقها.
نلجأ إلى الصمت، لأنّ الحياة أصبحت خدعة مسلية رديئة المعنى، قلّ فيها الجمال وخدشت صورته. عندما نصمت نحارب ما لا تستيطع الكلمات هزيمته، نرى في الصمت سخرية جميلة المنظر، الصمت الذي يطوّقونا اليوم ليس إلا عتابًا صريح لما يحدث، ليس إلا حالة استنفار وإدانة واضحة في جو عاطفي يسوده الهدوء.
بات الملل يطوّق حناجرنا، لو بقينا من دون محادثة، لم كره كل منا الآخر، لم عرفنا نيات بعضنا، لما تسلّق الصمت في خاطري، فأنا لم أعد أحفظ الكلمات، أريد أن أنسى ما امتلكت منها مذ طفولتي.
جسدك يستطيع أن يعلن الحرب أو يوقف الحب، مشاعرك تغنيك عن ألف كلمة تقولها، كم من الكلمات ندونها، نتلفظ بها، وقلوبٌ تعاكس ما نكتب.
83CA8F36-948E-4EA4-8B59-8FE6B49C1AC4
83CA8F36-948E-4EA4-8B59-8FE6B49C1AC4
علي محي الدين منصر (اليمن)
علي محي الدين منصر (اليمن)