هزلية مبكية

28 يونيو 2016
+ الخط -
ما نراه اليوم حولنا من تشظٍّ واختلاف مذهبي طائفي بحت، وشعارات دموية تستظل بمظلة الدين يعتبر سببا حقيقيا بانتشار مرض أنفلونزا القتل المزمن، وأحد العوامل للإصابة بعدواها الجانبية، كالتكفير والتدعيش، موضة ابتلينا بها، إذ لم تكن مزحة جادة، بل أصبحت تنخر جسد المجتمعات وتنال منها، في ظل الخواء الفكري والثقافي والمعرفة البسيطة والمتقشفة بالدين، لتكون نقطة ضعف لدى كثيرين، تستخدمها التنظيمات الإرهابية، وبعض الكيانات، أداة لتحقيق مصالحها الشخصية على نطاق جغرافي أوسع.
التحديات الكبرى التي تواجهنا اليوم، كمجتمعات عربية تعيش حالة من الفوضى، هي نفسها الطرق المؤدية إلى إيقاف النزيف الدموي، وإنهاء التفكير العرقي والطبقي التي جعل من الرقعة العربية لقمة سائغة.
تكاد الحلول تكون صعبة جدًا أمام خياراتٍ هي الأصعب، في ظل أنظمة ديكتاتورية متسلطة، لا تؤمن سوى بنفسها، ولا تعير ما يدور من حولها من قتل ودمار وتشريد وممارسة للعنف أي اهتمام، والحلول المتزنة التي تؤمن بها هي بقاؤها في السلطة، وإن كلفها الأمر نفي الشعوب وتهجيرهم عن أراضيهم.
وصول الأنظمة العربية إلى مرحلة من التوريث السلطوي، وتخوّف الشعوب من نتائج تلك الظاهرة، عجلت كثيراً في موت تلك الأنظمة، لكنها زادت الأمر سوءاً، وأنتجت هذا الكم الهائل من الدمار والخراب، وكانت أحد الأسباب لجعل الرقعة العربية صورةً محشوة بالعنف، وأرضاً خصبة للممارسات الدموية، وظهور التنظيمات والجماعات المسلحة.
يمر الواقع العربي بانعطافات خطيرة، ويقترب أكثر من الهاوية والمعركة التي تدور على الواقع، معركة ستستمر سنوات طويلة، ما لم ينه الأمر بحسم أحد أطراف الصراعات المسألة. أما الحلول السلمية والحوارات الهزلية، فهي أحد المؤشرات التي لا تبعث أيما أمل، فعلى مدار سنين، لم يستطع العربي أن يقتنع بالحلول السلمية، وكل الحوارات التي خاضها أطراف الصراع لم تكن تحمل مضمونًا أو رسالة مطمئنة لشعوبٍ تعلن عن اقتراب الحل.
يراقب الجميع ويشاهد عن قرب الإنهاك الواضح لجميع القوى المتصارعة، والمعادلة المتوازية والمتكافئة في كثير من الوقت لكليهما، والسيطرة والتمدّد والاستيلاء على بعض المواقع الحساسة، ما يجعلنا نؤمن أن الصراعات التي نراها اليوم، على الرغم من أنها صراعات سياسية، ومصالح شخصية هي أيضا مجرد لعبةٍ لن نصل إلى المرحلة النهائية لها، وذلك يزيد الأمر تعقيدًا لشعوبٍ ارتمت في أحضانها هذه الهزلية المبكية.


83CA8F36-948E-4EA4-8B59-8FE6B49C1AC4
83CA8F36-948E-4EA4-8B59-8FE6B49C1AC4
علي محي الدين منصر (اليمن)
علي محي الدين منصر (اليمن)