مصادر برلمانية أكدت أن حفتر وصل إلى العاصمة الروسية من أبوظبي رفقه أربعة من مستشاري ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وليس من بنغازي كما أشيع، بينما وصلها عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب المنعقد بطبرق، من القاهرة.
واتفقت المصادر، التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، على أن حفتر بعد مشاورات مع حلفائه في أبوظبي "كان قد اتخذ قرارا قبل سفره بالمماطلة لإطالة أمد المفاوضات الروسية، بهدف الحصول على مكاسب أكبر قبل توقيع اتفاق نهائي لوقف القتال".
ورغم توقيع وفد حكومة الوفاق، الذي ترأسه رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج، رفقة رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، على وثيقة الاتفاق في وقت مبكر من نهار أمس، دون أي مطالب، وغادرا موسكو مساء اليوم ذاته، إلا أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف فاجأ الجميع بالقول إن حفتر "طلب بعض الوقت الإضافي حتى الصباح لاتخاذ قرار بشأن التوقيع".
وبحسب التسريبات الأولى، فإن حفتر اعترض أولاً على بنود تحديد نقاط التماس بين قواته وقوات الحكومة، وطالب بإضافات في هذا البند من شأنها أن تحفظ أماكن تمركز قواته في جنوب طرابلس، بل وتمكينه من منطقة السدادة التي تقع على بعد 90 كم شرق مصراته.
واستمرت مماطلات حفتر، بحسب المصادر، باعتراضه لاحقاً على أن اتفاقه مع الحكومة "يعد اعترافا منه بها"، مشددا على أنها "لم تحظ باعتراف مجلس النواب"، وبعد استعصاء تنفيذ مطالبه كون الحكومة تستمد اعترافها من قرار أممي عاد وطالب بـ"ضرورة إلغاء الاتفاقات الموقعة بين حكومة الوفاق والحكومة التركية"، مصرا على مطلب حل قوات الحكومة باعتبارها مليشيات.
وفيما يتوقع أن يخرج بيان عن حفتر خلال الساعات المقبلة، إثر وصوله إلى بنغازي قادما من أبوظبي، لا ينتظر الباحث السياسي الليبي بلقاسم كشادة أي جديد من حفتر، فـ"تمطيط الوقت هو المسار ذاته الذي انتهجه مع كل الاتفاقات السابقة في باليرمو وباريس، وحتى اتفاق أبوظبي بينه وبين السراج في فبراير/ شباط الماضي".
وقال الباحث الليبي، متحدثا لـ"العربي الجديد" ، إن "كل ما تسعى إليه موسكو هو سحب البساط من تحت أرجل الأوروبيين، الذين يحاولون حصر حل إشكالات الملف الليبي في دهاليز وأروقة برلين، وتقاسم مصالحهم فيه حصرا، لذلك أكد الروس على استمرار جهودهم من إجل انجاح سياستهم القائمة على وقف إطلاق النار كمرحلة أولى".
وتتضمن بنود وثيقة اتفاق وقف إطلاق النار عدة نقاط تتسق مع خطط المبعوث الأممي لدى ليبيا غسان سلامة، كإشارة لـ"عدم خروج المساعي الروسية عن جهود الأمم المتحدة في ليبيا"، لكن الأكثر لفتاَ للأنظار، بحسب كشادة، هو البند الأخير الذي يشير إلى أن "اللجان التي ستنبثق عن الوثيقة، سواء المشرفة على إطلاق النار أو التي تعد صياغة وطنية ليبية للحل السياسي، ستعقد أولى جلساتها في موسكو"، معتبرا أنه "تأكيد واضح على رغبة روسيا في التفرد بالملف الليبي بعيدا عن دول الاتحاد الأوروبي".
ولم تشارك البعثة الأممية في ليبيا، ممثلة في غسان سلامة، في مفاوضات موسكو، الإثنين، واكتفت ببيان ترحب فيه بالاتفاق على وقف إطلاق النار، دون الإشارة إلى الجهود الروسية.
وبينما يقر الأكاديمي الليبي والباحث في العلاقات الدولية، مصطفى البرق، بأن "روسيا، بمساعدة تركية، تسعى للاستحواذ على مفاتيح حل الأزمة الليبية، بعيدا عن مشاركة أي من دول الاتحاد الاوروبي والأمم المتحدة، إلا أن رفض حفتر للتوقيع لا يعني أنه عرقل روسيا عن الوصول إلى أهدافها".
وبشكل مجمل، يرى البرق في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "الجانبين الروسي والتركي استثمرا جهودهما في الوضع الراهن الذي تعيش فيه دول الاتحاد الأوروبي حالة انقسام واضح في مواقفها وأهدافها تجاه الملف الليبي، مضافا إليه (غياب أميركي) واضح عن الساحة الليبية"، معتبرا أنهما "عاملان سيوفران فرصا أكثر لنجاح الدور الروسي في ليبيا".
ورجح البرق أن اعتراف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوجود مسلحين روس يقاتلون إلى جانب حفتر يمثل ورقة أولى للضغط على اللواء الليبي المتقاعد، مؤكدا أن روسيا "ستلجأ في الأوقات القليلة المقبلة إلى التهديد كونها على معرفة جيدة بنقاط ضعف حفتر، الذي استقبلته في قاعاتها الرسمية في العديد من المرات وخبرته بشكل جيد".
وحول تداعيات رفض حفتر لتوقيع الاتفاق، أكد البرق أن "روسيا باتت مرتبطة بوجود حكومة الوفاق بشكل كبير من خلال حلفها الجديد مع الحكومة التركية، التي باتت هي الأخرى تمتلك مصالح استراتيجية قوية مع الحكومة في طرابلس، وبالتالي فمشروع حفتر العسكري، الذي تدعمه دول على رأسها الإمارات، لا يمكن لروسيا أن تسمح بتنفيذه، فكما أرغمته على وقف إطلاق النار وهو على بعد أميال من طرابلس ومصراته، يمكنها اليوم إرجاعه لبيت الطاعة الروسي مجددا".
وبينما وصف الأكاديمي الليبي عرقلة توقيع الاتفاق في موسكو بـ"المشاغبة الإماراتية"، أكد أن "أبوظبي تعلم جيدا أن دولة مثل روسيا لن تسمح بأن تقع في حرج دولي بسبب عسكري لا يعدو أن يكون ورقة من عدة أوراق تلعب بها مثل هذه الدولة على مسرح دولي مترامي الأطراف والمصالح".
وشدد المتحدث ذاته على أن الأهمية الروسية بالنسبة لحفتر أكثر من الأهمية الإماراتية، فـ"روسيا هي التي أنقذته من أزمات اقتصادية كادت تطيح به عدة مرات عندما سمحت له بطباعة أوراق النقد الليبي بمطابعها بالمليارات أكثر من مرة"، موضحا أنه "بينما تتحرك أبوظبي في الخفاء، جاءت حاملة الطائرات الروسية (أدميرال كوزنيتسوف) لترسو قبالة بنغازي في العلن، واستضافت على متنها حفتر، بل ولم تخف أنها وقعت معه اتفاقات على ظهرها، وهي أول من أعطته الصفة الرسمية بأن استقبلته كمسؤول رسمي في مقراتها الحكومية في موسكو".
وقلل البرق من تأثير موقف حفتر، مؤكدا أنه سيعود لتوقيع الاتفاق لاحقاً، فقد علل رفضه للتوقيع بأنه "يعلم وشركاؤه أنه في حال توقيع الاتفاق سيفقدون أهم أوراقهم الضاغطة على طرابلس ومصراته، ولذا عليهم المماطلة أكثر للحصول على مكاسب من أوراقهم العسكرية الحالية قبل التوقيع، وربما يلجأ حفتر إلى إحداث أكثر من خرق للهدنة الحالية للتلويح بأوراق قوته".