لا خيار آخر أمام اليمنيين غير حماية صحتهم بأنفسهم، وسط تحذيرات من سرعة انتشار فيروس كورونا الجديد في بلد أنهكته الحرب والأزمات. في محافظة حجة، انطلقت مبادرات نسائية لصناعة الكمامات والمعقمات وتوزيعها
مع انتشار فيروس كورونا الجديد في مناطق يمنية عدة، تواجه البلاد وضعاً صحياً ومعيشياً صعباً يعيق جهود السلطات والمنظمات الدولية التي أعلنت عن تقليص مساعداتها للمناطق الخاضعة لسيطرة أنصار الله الحوثيين، حيث يقطن نحو 70 في المائة من اليمنيين. ولم يبق سوى جهود المواطنين أنفسهم للحدّ من انتشار الوباء.
أمام هذا الواقع، تشكّل العديد من المبادرات المجتمعية التي تسعى إلى مواجهة كورونا. وفي مديرية مبين الريفية التابعة لمحافظة حجة شمال غرب البلاد، أطلق عدد من النساء مبادرة لصناعة الكمامات الطبية وبدلات الوقاية الشخصية للطواقم الصحية لتوزيعها مجاناً، لا سيما بعدما رفضت بعضها استقبال الحالات المشتبه في إصابتها بالفيروس نظراً لعدم وجود المستلزمات الوقائية الكافية.
في هذا الإطار، تؤكّد رئيسة المبادرة آمنة صلاح أن انتشار كورونا دفعها وزميلاتها إلى التفكير في ما يمكن تقديمه للمساهمة في الحد من انتشار الفيروس بين الناس. تضيف أنّ "مبادرة صناعة الكمامات وملابس العزل ليست خدمة للمجتمع فقط، بل إنها تحميها وأفراد عائلتها أيضاً". تقول: "أعمل في مجال الخياطة منذ سنوات عدة وأجتهد دوماً لتعلم ما هو جديد. ولأنّ الكمامات هي من أهم وسائل الوقاية من كورونا، بدأنا العمل على إنتاجها لتوزيعها مجاناً. وخلال ثلاثة أيام فقط، أنتجنا نحو 380 كمامة"، مشيرة إلى أنها والمتطوعات في فريقها حرصن على أن تكون الكمامات مطابقة للمواصفات الطبية وتساهم في منع انتقال المرض "وقد نجحنا في ذلك".
تضيف: "فكرنا أيضاً في صناعة بدلات حماية لمن يحتكون بالمرضى. وخلال ثلاثة أيام فقط، استطعنا إنجاز 40 بدلة. نحرص على المساهمة في حماية أبناء اليمن من انتقال الفيروس، وما زالت لدينا أفكار ومبادرات في هذا الإطار سنعمل على تحقيقها خلال الأيام المقبلة". وعن الصعوبات التي تواجهها المبادرة، تؤكد صلاح أن ضيق الوقت لا يساعدها وأخريات على إنتاج ما يكفي من كمامات وملابس للعزل. كما أن المتطوعات المشاركات في المبادرة "يتحملن عبء العمل في المنزل إلى جانب الخياطة وصنع الكمامات والملابس التي يمكن أن تحد من انتقال الفيروس".
ويحرص فريق العمل على صناعة الكمامات وملابس العزل مع الالتزام بالمواصفات الصحية، بحسب إحدى عضوات فريق المبادرة هديل أحمد محيي. تقول لـ "العربي الجديد": "لصناعة الكمامة، نستخدم ثلاث طبقات، كما نحرص على أن تكون الملابس عازلة للمياه"، لافتة إلى أن الكمامات والملابس العازلة توزع على الطواقم الطبية العاملة في المديرية. كذلك يقوم الصندوق الاجتماعي للتنمية بتوزيع جزء منها للسلطات الصحية في مختلف أنحاء محافظة حجة.
وترى أن المبادرة نجحت في خدمة المديرية خلال الفترة الماضية. "نعمل يومياً من الساعة الثانية بعد الظهر وحتى فترة ما قبل الغروب في إحدى مدارس القرية لعدم توفر مقر خاص، ساعين إلى إنجاز أكبر كمية من الكمامات والملابس بمكنات الخياطة العادية الخاصة بنا والتي تعمل يدوياً"، مطالبة الجهات الداعمة بمساعدتهن وتوفير "ماكينات كهربائية لتسهيل وتسريع العمل وزيادة الإنتاج".
من جهتها، تقول المسؤولة في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في مديرية مبين، هاجر الحميدي، إن مكتب الشؤون الاجتماعية كان صاحب فكرة إنتاج الكمامات في مراكز التدريب مع بداية ظهور فيروس كورونا. تضيف أن عدداً من المبادرات النسائية أنتجت خلال الفترة الماضية نحو 30 ألف كمامة إضافة إلى مواد معقمة من الإيثانول الطبي والصابون السائل بدعم من منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" وتوزيعها على المراكز الصحية بعد موافقة الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة في صنعاء، قبل أن تتوقف المبادرة بسبب توقف الدعم.
وتشير الحميدي إلى أن الصندوق الاجتماعي للتنمية أطلق مبادرة تدريب النساء لصنع الكمامات والملابس الوقائية من فيروس كورونا من خلال الاستعانة بالنساء اللواتي تدربن على الخياطة في وقت سابق، في تسعة مراكز للتدريب على الخياطة والحياكة اليدوية في مديرية مبين وحدها، بالتعاون مع مكتب وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.
ويبلغ إجمالي عدد النساء المشاركات في المبادرات 158 امرأة، وجميعهن يجدن الخياطة. انتهت المرحلة الأولى من المبادرة بتعليم النساء كيفية صناعة الكمامات والملابس الوقائية، وبدأت المرحلة الثانية، وتشمل إنتاج 2586 كمامة و47 بدلة وقائية بالتنسيق مع الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة ومكتب الصحة العامة والسكان بمحافظة حجة.
وتتطابق هذه المنتجات مع المواصفات والشروط الصحية المحددة من قبل وزارة الصحة بحسب الحميدي. تقول لـ "العربي الجديد": "أرسلنا عينات من إنتاجنا إلى مكتب الصحة العامة في صنعاء للتأكد من مطابقتها للمواصفات الطبية. نحن الآن في المرحلة الأولى للمبادرة وسنقوم بتدريب النساء في المرحلة الثانية على كيفية صناعة المطهرات والمعقمات"، لافتة إلى أنّ المبادرات التي يرعاها صندوق الرعاية الاجتماعية أنتجت 9660 كمامة و205 بدلات واقية.
وتؤكد الحميدي أنّ المسؤولين عن المبادرات يوفرون للعاملات أدوات الوقاية، من "معقمات وقفازات، بالإضافة إلى التوعية المستمرة للحفاظ على الأقمشة وعدم لمسها إلا من قبل من يحيكها". ويبلغ عدد المراكز التي تصنع الكمامات وملابس العزل في مديرية مبين تسعة، وهي الصائية، والذيبة، ومدينة الظفير، والظفير الشرقي، وشامة (أ)، وشامة (ب)، والهجر، والعكافي، والبرار، وتضم نحو 176 متطوعة.
إلى ذلك، يرى المواطن علي المحويتي أن مثل هذه المبادرات ضرورية لتلبية الاحتياج المتزايد للكمامات والمعقمات.
يضيف لـ "العربي الجديد" أن الكمامات والمعقمات انعدمت من الصيدليات، وإن وجدت فبأسعار مرتفعة. "نحن في حاجة إلى أن تدعم المنظمات هذه المبادرات لتغطية الاحتياج المتزايد من الكمامات باعتبارها الوسيلة الأمثل لمنع انتقال الفيروس. ويمكن صنع كمامات من النوع الذي يستخدم أكثر من مرة بعد غسلها".