حكاية أبي
أبي الصّغير
جَرحتهُ الأسلاكُ الشّائكةُ
آنَ قطعَ الحدودَ
مُسلّحاً بالوطن
وحَسرةِ كونهِ وحيدَ أبويه من الذّكور
أوصاني مرّة "لا تخلعْ على الأرض اسماً حركيّاً"
وذهبَ بدمعه العتيق إلى السُّعال
كبخورٍ يفوحُ من أمسٍ بعيد
لم يُعتقلْ أو يُعذّبْ كما في روايات الشّهود
إنّما أثرُ رصاصةٍ أسفل قدمه اليمنى
صنعَ مجدهُ الشّخصيّ
فظَلّ وماضيه
يستجوبان بعضهما أبداً
في حكايته المُكرّرة
أسرارٌ يفرح بإخفائها
وصورةُ ولدٍ بِذقنٍ خشنةٍ وعينين من بارود
يُسندُ، من تعبٍ، ظَهرهُ المستقيم إلى مدفعيّة "هاوتزر"
على فوّهتها علمٌ
ما زال يرفرفُ في الصورة
وكذلك في كلامه
■
حظّ القلبين
من قبل ومن بعد
أحبُّكِ
ولكِ مثلُ حظِّ القلبين...وأكثر
يا انفلاقَ الصحو
غمدَ البهجةِ
ارتباكَ حسابِ السِّنين
والنجومَ في ثورتها على المواقع
من قبل ومن بعد...
في نزوات التَّعقل
وزخَّات الليل على غفوتي المسلوبة
أحبُّكِ
في هباءِ الخيانة
وخيانةِ الهباء
مرة وراء مرة
وعند منحدر الشَّكِّ الواجب لقتلِ الشّيطان
أحبُّكِ
سماءٌ
بعينٍ واحدةٍ
تراقبُ مواكب الولادة ورَجعها
وأنا...
لا يكفيني عمرٌ كاملٌ
لأحبَّكِ
بكمشةِ تعازيم، نصفِ حقيقةٍ
بَلَلٍ في النِّسيان أو التَّذكُّر
أفكُّ أزرارَ سحرها
وأصيرُ وشماً يضرع لوحدتهِ
أو طعنةً أخرى قرب حبل الوريد
من قبل ومن بعد
في غابات الحشر، وفي اللحظة المغلوبة على وعودها
وعندما يرتشفُ البشر كؤوسهم المسمومة
كفلاسفةٍ طيّبين
أحبُّكِ
من قبل ومن بعد
وفي الفجر المُنبلجِ بأقلِّ حيائه
■
سرّ النّمل
للغائب انتظاراتُه
والممرّاتُ المبلّلةُ بالصّبر
تحت سماءٍ تدمعُ بالأسماء
كلّ صباح
يرتعدُ حبلُ الغسيل
من خفّةِ قميصه النّاصع.
كلّ مساء
تُكرّرُ العتمة أكاذيبها على العتبة
ولا يعود الغائب
مع أنّ الخطوات
تتفتّح في الخارج مثل حبّات الملح
وحين نُطلُّ عليها
نُفكّرُ في سرّ النّمل الذي هَجرَ البيت بأكمله
■
أحياء إلى درجة القسوة
في غاية سعادتهم
أصطَحبُهم إلى نومي كلّ مساء، مثل "تحويشة عُمر"
وأشاركُهم النّكات البذيئة وحصيلةَ اليوم من النّمائم
والجرائمَ التي ارتُكبتْ قبل أن نَتسمَّى.
أصطَحبهم؛ لا لشيءٍ سوى أن يظلّوا أحياء إلى درجة القسوة
الأبوابُ لا تضجرُ من وحدتها
ما دامتْ مطعونةً في الخاصرة
بالتفاصيل المملّة نفسها
والقصائد سيّئة التهوية
أريدهم أن يظلّوا أحياء إلى درجة القسوة
وأريدُ صباحات في متناول القلب
وبعض السّكينة؛ لأهجرَ استعارات هذا الليل
كلّما روّجَ الشائعات
حول عطلةِ نهايةِ الحياة
■
غفوة قرب صديق
سأغفو قليلاً، يا صديق، كما يغفو المحارب:
عينٌ على الظّلال
وأخرى على وعود الحبيبة
سأغفو قليلاً وأخطرُ في بالي
كما يخطر الموتى في الوصايا
وربما أصادفُ حلماً أو إلهاً
وأقرأ في عينيه "الكلامُ من ذهب"
لكنّ مصيبتي يا صديق
أنّ الكلامَ هنا خطيئةٌ
وأنّ الذين بلا خطايا لا يملكون حَجراً
أما الذين خبأوا الأحجار في سراويلهم
فلم تتعرف إليهم الصّلبان
الدّنيا شجرة ميلادٍ عارية
والعُمرُ بندقيةٌ تَرَبَّت على القتل بأقصر الطّرق
أطلقها، إذن، يا حارس الأبدية
أطلقْ رصاصها ولو على جنازة عصفور
فالأمل مرآةٌ كبيرةٌ
تحصي أعداد الخائبين
ولم تبق لي خطيئةٌ
أو توبةٌ أتعلّقُ بها
أكثر من مسبحة الأمنيات.
(عمّان)