محمد الخراط.. عن مخرجات تأويل التاريخ العربي

09 اغسطس 2020
إبراهيم الصلاحي/ سورية
+ الخط -

في 2013، أصدر الباحث التونسي محمد الخراط عملاً بعنوان "تأويل التاريخ العربي" وفيه يدرس كيفية تناول ثلاثة مفكّرين للتاريخ العربي هم؛ عبد الله العروي من المغرب، وهشام جعيّط من تونس، ومحمد أركون من الجزائر. ضمن محاضرة أقيمت على صفحة "برنامج لحظة إبداع" على فيسبوك مساء أمس السبت، يعود الباحث التونسي إلى أفكار هذا الكتاب مقدّماً الأطر العامة للكتابة التاريخية الحديثة في العالم العربي

يقدّم الخراط تعريفات لمفهوم التأويل باعتباره إشكالية ينبغي الإحاطة بدقائقها خصوصاً في السياق العربي، حيث أن مفهوم التأويل تتداخل فيه حمولات دلالية متعدّدة؛ بداية بما هو تراثي حيث كان التأويل يعني بالأساس محاولة فهم للنص الديني خارج المعنى الظاهر، لكن عند الحديث عن مؤرخين معاصرين مثل العروي وجعيّط وأركون لا يمكن التعويل على مفهوم التأويل بمعناه التراثي، بل ينبغي الالتفات إلى سياقات أخرى تبلور فيها هذا المفهوم، تحديداً ضمن الثقافة الغربية.

يرى الخراط أن التأويل أخذ أبعاد أخرى ضمن تجربة الحداثة الغربية، ليس فقط لاستقلاله من تفسير النص الديني وإنما أيضاً لتبلوره كقضية فلسفية أنتجت ما بات يعرف بالفلسفة التأويلية أو الهيرمينوطيقا، ثم بدأ مشروع أوسع لصيغة نظرية عامة للفهم.

يعتبر الباحث التونسي أن علاقة التداخل التثاقفية بين الحضارتين العربية والغربية يفرض أن نتناول مفهوم التأويل لدى المؤرخ المعاصر، باعتباره مزيجاً بين كلّ هذه الروافد التراثية العربية والتحيينات الغربية، مؤكداً على أنه لا مناص للمؤرّخ المعاصر من الانخراط في التصوّرات الجديدة للمفهوم وهو يقف أمام مجموعة المعاني التي اختزنتها الذاكرة الجمعية.

محمد الخراط

في خصوص المؤرخين الثلاثة الذين تناولهم، يؤكّد الخراط بأنهم ممن تشبّعوا بالقراءات الحديثة، وهو ما يسميه بعبارة وردت في أحد أعمال عبد الله العروي بالتحرك ضمن المتاح من المعرفة العالمية، وبالتالي فإن فهم التاريخ بات متأثراً بما وصله الغرب في الفكر التأويلي.

يقرأ الخراط هنا نتيجة هذا التداخل، فيرى أنه أنتج "قراءة مغايرة من جهتين" بحسب عبارته، أي أنها قراءة مغايرة للنظرة السلفية التمجيدية للتاريخ العربي، ومن جهة أخرى هي نظرة مغايرة للطرح الاستشراقي. 

في جزء آخر من محاضرته، يشير الخراط إلى أن المؤرّخين المعاصرين وهم يتناولون التاريخ العربي في محاولة فهمه كانوا ينطلقون من تصوّرات مختلفة للحظة التأسيسية، حيث أن جعيّط وأركون قد جعلا منها لحظة بعيدة فاهتم الأول بـ"الإسلام المبكّر" يبحث في تاريخ الفتنة الكبرى وتأسيس الكوفة وخصوصاً يبحث في السيرة النبوية، أما أركون فركّز على ما يسمّيه بالحدث القرآني.

من جانبه، كان العروي قد جعل من عصر النهضة العربية في القرن 19 مرجعيّته التأسيسية، وهو هنا كان يرى بأن التاريخ الإسلامي قد ذاب في التاريخ العربي، وأن الانطلاق من هذه النقطة القريبة يتيح بشكل أفضل فهم إشكالية عودة العرب إلى المسرح التاريخي.

يرى الباحث التونسي هنا بأنه وعلى الرغم من اختلافات المؤرخين الثلاثة حول المنطلقات، فقد أفضى بهم تأويل التاريخ العربي إلى نفس المخرجات أي تفسيرات العلل التي تنخر الواقع العربي المعاصر.

المساهمون