محيط مرفأ بيروت بعد الانفجار... ساحة معركة

بيروت

سارة مطر

avata
سارة مطر
05 اغسطس 2020
انفجار بيروت
+ الخط -

لم يكن مرفأ العاصمة اللبنانية بيروت، صباح الأربعاء، على موعد لتفريغ اعتيادي للبضائع والشحنات، ولا وجهة لأيٍّ من العمليات التجارية والاقتصادية، بل تحوّل إلى ساحة معركة بكل ما للكلمة من معنى. الأضرار المادية لا تُعَدّ ولا تُحصى، الزجاج متناثر في كل مكان، والحديد والخشب المتطاير يملآن الأرجاء، وسط سكون مخيف تخترقه صفارات الإسعاف وإنذارات فرق الإنقاذ والإغاثة.

وفيما كانت سحب الدخان، جراء الانفجار الذي وقع، أمس الثلاثاء، لا تزال تتصاعد حتى ساعات هذا الصباح، عملت القوى الأمنية والعسكرية على نشر آلياتها وفرض طوق أمني مشدد حظر الدخول إلى حرم المرفأ، كذلك قطعت الطرقات المؤديّة إليه وحوّلت السير، وسط تحليق كثيف للمروحيات وطائرات الاستطلاع.

وفي جولة لـ"العربي الجديد" في محيط منطقة المرفأ، بدا جليّاً حجم الكارثة التي فُجع بها اللبنانيون والمقيمون، فالدمار يتربّص بكل المباني والمحال، وكأنّ العاصمة استفاقت بعد صولات وجولات من المعارك والحروب. الصمت سيد الموقف، والحزن والأسى عنوان هذا اليوم الكئيب. أمّا السؤال الوحيد الذي كان يراود المارّة الذين صودف وجودهم في المنطقة المنكوبة، فكان "شو بدو يصير بعد؟".

من بلدة عرسال البقاعية، قدم كل من حسين الأطرش ومحمد الحجيري منذ الصباح الباكر لتفقد هول الكارثة، و قال الأطرش لـ"العربي الجديد": "جئنا لنرى بيروت، لنتفقدها، وكانت الصدمة. إنه فعلاً أمر محزن ومخزٍ في الوقت ذاته. الدمار كبير جداً، والمشهد المؤسف أعادني إلى أيام الحرب الأهلية".

من جهته، اصطحب أحمد الرفاعي ابنته الشابّة لجولة تفقدية في محيط المرفأ، وهو القاطن في منطقة كورنيش المزرعة، حيث أكّد لـ"العربي الجديد" أنّ "الدمار غير طبيعي، إنها حقاً كارثة، بيروت تدمّرت والمشهد مؤلم أكثر من مشهد الحرب اللبنانية، لكن السؤال يبقى: هل هناك من يبنيها اليوم؟".

مشهدٌ مريع يمكن وصفه بهدوء ما بعد العاصفة، تماماً كموج البحر الذي استكان بعد انفجارٍ مدوٍّ يوم أمس. أمّا وجوه اللبنانيين والمقيمين على حد سواء من الذين قدموا لتفقّد الأضرار، فأقل ما يقال فيها أنّها مفجوعة تبكي العاصمة وترثي شعباً يجاهد منذ سنوات من أجل العيش والفرح.

وفي السياق، وقف رجل مسن، فضّل عدم ذكر اسمه، متأمّلاً الفاجعة، وقال لـ"العربي الجديد": "بكل صدق بكى قلبي على بيروت، فأنا ابن هذا البلد، ووجعه هو وجعي، الله يساعد الشعب اللبناني ويشفي الجرحى ويرحم الشهداء"، مطالباً بـ"معاقبة كل مسؤول عن الانفجار الأليم".

وضعت البلديات القريبة من بيروت، آلياتها وفرقها ومعدّاتها بتصرف عمليات الإنقاذ والإخلاء، وشارك لبنانيون منذ الصباح في محاولات التنظيف وتطهير الشوارع

وعلى مسافة قريبة من محيط المرفأ، ورشة إنقاذ وإجلاء متواصلة، منذ يوم أمس وحتى ساعة كتابة التقرير. فمن المواطنين مَن سهر طوال الليل علّه يحافظ على ما بقي من أرزاقه، ومنهم مَن اندفع منذ ساعات الصباح الأولى كخلية نحل تلملم ركام الفاجعة من خلال جمع الزجاج والحطام وتركيب ألواح حديدية تقيهم شرّ السرقة وتحمي أرواحهم وممتلكاتهم، ولا سيما أنّ بيوتهم ومحالهم باتت خاوية، حالهم حال عاصمتهم الجريحة.

ووضعت البلديات القريبة من بيروت، آلياتها وفرقها ومعدّاتها بتصرف عمليات الإنقاذ والإخلاء، وشارك لبنانيون منذ الصباح في محاولات التنظيف وتطهير الشوارع، وقال أحدهم لـ"العربي الجديد": "اللبنانيين جسم واحد ويد واحدة وقلب واحد. جئنا لنساعد إخوتنا في حفظ أرزاقهم، وتدعيم ممتلكاتهم بالحديد بعد أن تطاير الزجاج. إنها فاجعة حقيقية أصابت كل اللبنانيين".

وقال الشاب شريف قيس: "إنه لأمر محزن على مدينة تنبض بالحياة. الشعب اللبناني يزداد فقراً وقهراً، فنحن محكومون من طبقة فاسدة، واقتصادنا بالأرض، وتنتشر في مجتمعاتنا الأمراض والأوبئة، وبالأمس خسرنا مصدر قوتنا الوحيد، وهو القمح. فقدنا الأمل بالتغيير والنهوض، لقد حلّ اليأس في نفوس شعبنا، وباتت الهجرة خيار وحيد".

أمّا علي عمّار الذي يعمل بمتجر في مقابل مفرق الجميزة، فقد أصيب في رأسه وكتفه خلال الانفجار، وقال لـ"العربي الجديد": "كل محلاتنا أقفلت، وتوقف عملنا، وبتنا نشعر أكثر باليأس، ولا طاقة لدينا على القيام بأي شيء. لم نستطع النوم، ولا تناول الفطور، ولا أعرف ماذا ينتظرنا".

وأمام مبنى اللعازارية في وسط بيروت، وقف مسنٌ لبناني واظب على العمل طوال 41 عاماً، غير أنّ مظاهر الصدمة والفاجعة كانت واضحة على وجهه، وردّد لـ"العربي الجديد": "إنه زلزال بكل معنى الكلمة". وقال آخر يعمل في موقف عمومي للسيارات: "المشهد محزن جداً، وهو أشبه بالحرب الأهلية، والله لطف أننا بفصل الصيف، وإلا كيف كان ليبيت أهالي بيروت لياليهم من دون زجاج ونوافذ وأبواب. يكفي هذا الشعب بهدلة".

ذات صلة

الصورة
دبابة إسرائيلية على حدود لبنان من جهة الناقورة، 13 أكتوبر 2024 (Getty)

سياسة

اشتدت حدة المواجهات البرية بين حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان مع دخول المعارك شهرها الأول من دون أن تتمكن إسرائيل من إحكام السيطرة.
الصورة
قصف إسرائيلي في محيط قلعة بعلبك الأثرية، 21 أكتوبر 2024 (نضال صلح/فرانس برس)

سياسة

انضمّت مدينة بعلبك إلى الأهداف الإسرائيلية الجديدة في العدوان الموسَّع على لبنان تنفيذاً لسياسة الأرض المحروقة ومخطّط التدمير والتهجير الممنهج.
الصورة
أنشطة ترفيهية للأطفال النازحين إلى طرابلس (العربي الجديد)

مجتمع

أطلقت منظمات وجمعيات أهلية في مدينة طرابلس اللبنانية مبادرات للتعاطي مع تبعات موجة النزوح الكبيرة التي شهدتها المدينة خلال الفترة الأخيرة.
الصورة
دمار جراء غارات إسرائيلية على بعلبك، 25 أكتوبر 2024 (Getty)

سياسة

شنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي سلسلة غارات دموية على مناطق عدّة في محافظة بعلبك الهرمل اللبنانية أدت إلى سقوط عدد كبيرٍ من الشهداء والجرحى وتسجيل دمار كبير
المساهمون