استمع إلى الملخص
- يشكل الطلاق الريفي نسبة كبيرة من الحالات بسبب الفجوة الاقتصادية بين الأغنياء والفقراء، مما أثر على الحياة الزوجية، واستقلال المرأة منحها الشجاعة لطلب الطلاق.
- يُحذر الخبراء من تأثير الطلاق على الأطفال والمجتمع، وتوصي السلطات بالوساطة، وأصدرت تشريعًا في 2021 لتقليص الطلاق بفترة تهدئة 30 يومًا.
تفيد وزارة الأحوال المدنية في الصين بأن عدد حالات الطلاق بلغ 3.6 ملايين العام الماضي، بارتفاع 726 ألف حالة مقارنة بالعام السابق تشكّل زيادة بنسبة 25.2 في المائة. وتطرح هذه الأرقام تساؤلات ملحّة حول سبب اتساع الظاهرة.
تنقسم الآراء بين من يربطونها بضعف العلاقات الاجتماعية، وتطور العصر وتقدم العلوم والتكنولوجيا، وبين من يعتقدون بأن استقلال المرأة المادي وتحصيلها العلمي رفعا نسب الطلاق، باعتبار أن نصف الحالات في الصين تحصل بمبادرات من النساء، إذ تسمح الوفرة المادية بأن تعيش معظم الزوجات في شكل مستقل يجعلهن لا يخترن الحفاظ على علاقة زوجية سيئة لأسباب مادية.
تقول الباحثة في مركز دونغوان للإرشاد والتأهيل النفسي، لورا شانغ، لـ"العربي الجديد": "يشكل الطلاق الريفي نسبة كبيرة من إجمالي الحالات، فمع تطور الاقتصاد اتسعت أيضاً الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وفي بعض الأماكن، خصوصاً في المناطق الريفية، أصبح الاقتصاد متخلفاً نسبياً، وباتت حياة الناس صعبة فيها. وبالتالي أحدث خروج سكان الريف إلى المناطق الحضرية تغيّرات جذرية في بيئة العمل وأنماط التفكير والحياة، ما خلق مزيداً من الفجوات والصراعات بين الأزواج".
تتابع: "يتعلق سبب آخر أيضاً بعمل المرأة واستقلالها المادي، علماً أن معظم قضايا الطلاق ترفعها النساء. كان المجتمع الصيني القديم محافظاً تغلب عليه الأبوية والتبعية للرجل. وفي تلك المنظومة الاجتماعية كان يستحيل أن تطلب المرأة الطلاق لأنها ستعتبر منبوذة في مجتمع يقدّس الرجل، أما مع تطور المجتمع حالياً فيشهد الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمرأة تحسناً مستمراً مع تعزيز الوعي القانوني الذي منحها شجاعة للتخلص من أغلال الزواج الإقطاعي، ومتابعة حياتها بعيداً عن سطوة الزوج. من هنا عندما تواجه المرأة مشاكل في حياتها الزوجية، ولا تشعر بسعادة كافية، تقدم ببساطة طلب طلاق. ومن هذا المنطلق تعكس زيادة معدل الطلاق واقع تقدم المجتمع".
ويعلّق وي لي فنغ، أستاذ الدراسات الاجتماعية السابق في جامعة "صن يات سن"، على الظاهرة بالقول لـ"العربي الجديد": "الزواج تعبير عن الاتحاد بين الرجل والمرأة، وهو شرط ضروري لتكوين الأسرة ضمن المجتمع. ولا شك في أن الانسجام بين الأزواج يعزز التنمية المتناغمة للمجتمع، لكن ذلك لا يمنع استمرار ارتفاع معدلات الطلاق في ظل التطور الاقتصادي الذي شهدته البلاد خلال السنوات الأخيرة، والذي يُعيق بناء وتطوير مجتمع متناغم. وهذا الأمر أثار قلقاً واسعاً في كل نواحي الحياة، لأنه يعكس تغيّرات في نفوس الناس، وتراجعاً عن المفاهيم الاجتماعية التي سادت لقرون".
يضيف: "الأطفال هم الفئة الأكثر تأثراً باتساع الطلاق الذي يمنع حصولهم على رعاية وأمان ودفء عاطفي في ظل أسرة مفككة. وينعكس ذلك على سلوكهم وصحتهم الجسدية والعقلية، وكذلك على نظرتهم المستقبلية لمفاهيم أساسية مثل الأسرة والزواج والإنجاب".
كذلك يشير وي إلى تأثير ارتفاع معدلات الطلاق على الوئام والاستقرار الاجتماعي، "فاستمرار ارتفاع معدلات الطلاق يفكك الأسر ويؤثر على استقرار المجتمع، لأن فسخ الزواج وإنهاء العلاقة الزوجية قد يؤدي إلى إدمان الكحول والشجار، وحتى الانتقام من أطراف أخرى، وغيرها من السلوكيات غير العقلانية مثل استهداف الأبناء كإجراء انتقامي. وهذه السلوكيات تهدد السلم والتناغم الاجتماعي، لذا نحذر من تداعيات الطلاق، إذ لا يمكن للناس العاديين تصوّر الضرر الذي يلحق بالأطفال بسبب طلاق الوالدين. قد ينظر البعض إلى هذه الخطوة بأنها الأسرع والأسهل لحل الخلافات الزوجية، لكنها تترك ندوباً تبقى سنوات طويلة، وتحفر بعمق في نفوس وذاكرة جيل كامل من أبناء المطلقات".
يضيف: "لدى التعامل مع قضايا طلاق يجب التزام مبدأ الوساطة والصلح باعتبارهما الوسيلتين الأهم لحل المشاكل الزوجية. وتسمح الوساطة باكتشاف النزاعات الرئيسية بين الأزواج المتخاصمين، وتحليل قضايا محددة، والعثور على العقبات الرئيسية للنزاعات الزوجية من أجل حلها".
واللافت أن الصين كانت حتى وقت قريب إحدى الدول التي لديها أبسط وأسرع إجراءات طلاق في العالم، مقارنة بدول أخرى تُلزم الأزواج الراغبين في الطلاق بأن يعيشوا منفصلين فترة من الوقت قبل فسخ الزواج رسمياً. ثم أصدرت السلطات عام 2021 تشريعاً جديداً حمل اسم "فترة التهدئة تسمح بإيقاف إجراءات الطلاق"، خلال 30 يوماً، إذا غيّر أحد الزوجين رأيه. ويهدف ذلك إلى محاولة لتقليص عدد حالات الطلاق المتزايدة.
وبحسب محكمة الشعب العليا الصينية، سحب أكثر من نصف المتقدمين بدعاوى طلاق ملفاتهم بين عامي 2021 و2023، وأعادوا ترميم علاقاتهم الزوجية، علماً أن قضايا الطلاق تمثل نحو 65 في المائة من القضايا المدنية في المحاكم الصينية.