بدأ السيد سامي في تصفح موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" والذي أصبح أحد مُستخدميه قريبًا بعد بضعة آلاف سؤال عن كيفية إنشاء حساب وكيفية التواصل مع أصدقاءه القُدامى والجُدد على الموقع، أسئلة لم يُجيب عنها إلا ابنه الشاب الجامعي "محمد" ولأن أيدلوجيات وانتماءات محمد السياسية والاجتماعية مُختلفة تمامًا عن والده قرر أن قائمة أصدقاءه لن تتحمل وجود السيد الوالد أكثر من ذلك خاصًة بعد عدة تعليقات مُحرجة كتبها السيد سامي لمحمد، تعليقات تُقلل من قناعات الشاب وتسخر من أفكاره.
ولكن ذلك لم يكن يمنع السيد سامي من زيارة صفحة محمد من فترة لأخرى من أجل مُطالعة ما يكتبه الشاب، وتلك المرة أول ما قابله في صفحة ولده كان جُملة "أبو تريكة خط أحمر"، يعلم "سامي" جيدًا مدى حُب محمد للنادي الأهلي ولنجمه السابق "محمد أبو تريكة" فالشجارات الأُسرية المُعتادة لم تكن تنقطع بين سامي وابنه بسبب انضمام الأخير لمجموعة "أولتراس أهلاوي" وكثرة تردده على استادات كُرة القدم، المجموعة التي اعتبر محمد أفرادها اخوته واعتبرهم سامي مُجرد مجموعة من مُثيري الشغب ولا يصح أن يتواجد ابنه بينهم.
جن جنون سامي عندما علم أن الجُملة مكتوبة بسبب خبر قرار التحفظ على أموال "محمد أبو تريكة" والذي نشرته إحدى الصُحف الخاصة في مصر ووجه حديثه لمُساعده حسين قائلًا "لا أعلم فيم يُفكر محمد، كيف له أن يعتبر لاعب كُرة قدم خط أحمر للدولة، هل هُناك أشخاص فوق القانون؟
حسين: بالطبع هُناك أشخاص فوق القانون ياسيدي، لكن تريكة ليس واحدًا منهم.
أجاب سامي بسُخرية: كيف نسيت ذلك، إنك من مريدين ومجاذيب القديس أبو تريكة.
ابتسم حسين ابتسامته التي يُنهي بها نقاشاته السياسية أو الاجتماعية مع سامي قائلًا "مَدد" قبل أن يخرج من الباب لاستكمال مهامه الوظيفية.
استكمل سامي تصفح "فيسبوك" وفي أقل من نصف ساعة قرأ جُملة "أبوتريكة خط أحمر" أكثر من 100 مرة، استشاط غضبًا وضرب كفًا بكف قبل أن يترك مكتبه مُتجهًا إلى منزله وما أن وطأت قدماه أرض المنزل إلا وصرخ في وجه ابنه قائلًا "ما الذي جعل من لاعب الكُرة هذا خطًا أحمر؟ من الذي نصبه إلهًا فوق القانون والدولة، أفكارك تزداد تفاهة واهتماماتك لم تعد تُناسب سنك.
احتاج محمد للحظات قليلة حتى يُدرك أن والده زار صفحته كعادته، وأنه يتحدث عن تريكة، وكالعادة شعر بالضيق بعد وابل التوبيخ الذي أطلقه عليه والده، ولأول مرة منذ فترة طويلة يشعر محمد انه يرغب في المُناقشة، مُناقشة تؤدي إلى شيء حقيقي بعيدة عن جدل بيزنطة، شعر انه يُريد أن يبوح للمرة الأخيرة عن مكنون صدره.
محمد: نحن جيل غير محظوظ بالمرة يا أبي، في كُل المجالات، رُبما قد لحقنا ركب التكنولوجيا لكن هُناك أشياء كُثر لم نلحقها ولم نستمتع بها.
لم نُشاهد الخطيب يُداعب الكُرة مثلًا ولم نحيا في زمن حليم وأم كلثوم، لم نحضر يوم مقتل جيفارا، يوم رثاه العالم كُله، لم نحضر أمجاد المسرح المصري أو يوم اختيرت القاهرة أجمل مُدن العالم لم نلتف حول الشيخ إمام وفؤاد نجم نستمع لأغانيهم، لم نحضر انتصار أكتوبر ولم نبتاع حاجتنا بالمليم و النكلة والقرش، بل لم نسكن في منازل إيجارها 4 جنيهات.
جئنا في زمن قبيح، ننظر حولنا لنجد كُل شئ في حالة إنهيار، لنجد اننا لن نستطيع أن نحيا إلا بالخوف، لنجد إننا على وشك الاستسلام لعراقيل الحياة ونحن في مُقتبل العُمر، رُبما تجد حديثي تافهًا واهتماماتي كذلك، لكن في حين كُنا نُربى على الاستسلام علمنا هو ألا نفقد الأمل للدقيقة الأخيرة، علمنا أن نتعاطف مع المظلوم وألا نُصدر أحلامنا المُضيئة للظالم، عَلمنا ان الوقت الذي يُسبح فيه السواد الأعظم باسم القاتل هو الوقت الأمثل للوقوف في صف المقتولين وأن الاستسلام رفاهية لا يمتلكها أصحاب الأفكار.
عَلمنا أن نختار مواقفنا بعناية وأن الوقوف على الحياد قد يكون من الكبائر أحيانًا، علمنا ألا نتصنع الجهل ونتظاهر بعدم رؤية الحقيقة وأن نسير في طريق الحق ليس لأن الحق سينتصر في النهاية، فربما لن ينتصر أبدًا أو سنرحل نحن قبل أن نراه مُنتصرًا بل سنسير فيه لأنه الطريق الصحيح والسير فيه لن يؤرق ضمائرنا.
أبو تريكة خط أحمر لأنه لم يؤذِ أحدهم، ولم يقتل ولم يُهلل للقاتل، أبو تريكة خط أحمر لأن وجه قدمه الخارجي أكثر فائدة من عقول مُعظم من يحاولون النيل منه، لأن في لحظات الضعف كان تريكة هو المدد.
ظهور القميص رقم "22" كان كظــهور علامة "بات مان" في السماء، ظهور يقضي علي القلق القاتل داخل العقل ، ظهور يطمئن القلب ويُعلم الجميع أن المدد قد حضر.
(مصر)