مشايخنا الذين أعانوا علينا

16 يوليو 2015
الشيخ علي جمعة في جنازة الشيخ عماد عفت(فرانس برس)
+ الخط -
"نجتمع اليوم لنذكر بعض الصالحين حتى تتنزل علينا الرحمات، أما الشيخ عماد فلم يضره شيء، نحن الذين في ورطة وفي أزمة وفي ضيق الدنيا، وهو في سعة رحمة الله سبحانه وتعالى.... من الآن يطلق اسم (الشهيد) عماد عفت على رواق الأتراك، ولن ننتظر إجراءات رسمية وغير رسمية، ثانياً أطلقنا اسم الشهيد عماد على أكبر قاعة بدار الإفتاء وهي التي كنا نرى فيها الرؤية أو احتفالها".


إذًا هكذا كان يراه المفتي -حينها- د. علي جمعة، شهيداً مستحقاً للتكريم دون انتظار إجراءات رسمية، والآن من يمارسون فعله يراهم "خوارج" أنتاناً رائحتهم خبيثة.

لفظ الخوارج يعد حبيساً بين ثنايا الكتب، حتى ذاع مؤخراً مع انتكاسات الربيع العربي، إذ كان بعض مشايخنا لا يجرؤ على التلفظ به حال قوة الثورات، فلما انتكست أخرجوه، وقليل العلم مثلي الْتَبَس لديه الفهم عن الخارجيّ؟ أهو الذي خرج بالسلاح على حاكم منتخب استقرت له الولاية، أم من خرجوا للتظاهر تنديداً بفعل صاحب السلاح رغم اغتصابه الحكم وتقتيله وإمعانه في الظلم والبغي والعدوان؟

شرفتُ كآلاف بالسعي للدراسة بالجامع الأزهر الشريف، ولازلت أجزم بأنه منارة العلم، وفيه خير عميم، وبين جنباته أهل الدين الذين يقومون على نقل التراث، وآفة مشائخه -الذين درسونا التصوف، وأرشدونا أنه يدل في كل لحظة على تعلق القلب بالخالق وقطع العلائق بالأغيار، فلا نفع ولا ضر إلا للمالك- أنّا وجدناهم عند العدوان سكتوا واعتصموا بالنصوص مقلوبة الحال، ومنهم من كان مجاهراً برفضه، لكن رأي شيخه وأخطاء المعارضين للسلطة، جعلت فؤاده ينقلب لهوى شيخه صاحب الافتراءات، فقال بقوله ثم عاب على "الخرفان".

يوم أن ارتقى الشيخ عماد، وقف الأزهر كله دفاعاً عنه، وعدّوا الأزهر مستهدفاً، وكرموه وقالوا سيطلق اسمه على مساجد عدّة -لم أتوقف على حدوث ذلك فعلاً- فعلوا ذلك في دولة الثورة، ولما انتكست وجدنا تلامذة الشيخ بين المطاردة أو الاعتقال وربما القتل، وخذلنا مشائخنا الذين أبّنوا صاحبهم، وأعان علينا شيخه الذي بكى لفقده وقال إننا خوارج.

أحد سادة السائرين، وسادة الفقهاء الشافعية، سليل بيت النبوة الإمام الشعراني صنّف كتاباً واختصره، سماه: "مختصر إرشاد المغفلين من الفقراء إلى شروط صحبة الأمراء" وهو مطبوع تحت اسم: "الصوفية والسياسة"، لا أظنه يخفى على من تربينا عليهم، ولكن للتذكِرة نورد منه جملاً، منها ما نقله عن غيره مخاطباً العلماء بقوله: "إياكم أن تميلوا بالمحبة إلى أحد من ولاة هذا الزمان إذا أظهر لكم شدة الاعتقاد فيكم والمحبة لكم، وفتّشوا أمره، فربما كان مقصوده من صحبتكم أن تساعدوه في الولاية التي يطلب دوامه فيها، (أو الوصول إليها إن كانت في يد غيره)، وأن تشاركوه في تبعة جميع المظالم التي تقع له في الدنيا والآخرة". تدبّر كلامه رحمه الله.

انتقل بعد ذلك الإمام الشعراني ليؤدب تأديب النبوة، لا ما نراه من أخلاق لا تناسب ذوي المروءات فضلاً عن الدين، فقال: "ومن أخلاق أحدهم إذا توجه إلى الله تعالى في عزل ظالم، هو عدو لأميره فقتله الولاة مثلاً وسلبوا نعمته، أن يحزن عليه أشد الحزن، وكذلك يأمر أميره بالحزن عليه، وليحذر الشيخ والأمير من إظهار الشماتة به، فإن ذلك خروج عن مقام الأشياخ وعن المروءة... وكذلك يجب على الأمير أن يعتبر بموت عدوه بما فعل به ويقول لنفسه: عن قريب يُفعل بك مثل ذلك. فلعل ذلك يشغل النفس عن الفرح والشماتة بعدوه، وينبغي للشيخ أن يقول لأميره إذا شمت بقتل عدوه: فقد سقطت من عيني".

ثم قال: "وقد فعلت أنا بمثل ذلك مع بعض بني بغداد لما فرح بقتل أخيه وتولى مكانه، فقال لي: أنا فرحت بموته من حيث عدم الإثم الذي كان يحصل له. فقلت له: إن كنت صادقاً فاعرض على نفسك ما لو أناب عن الظلم ودام في ولايته، فإن انشرحت لذلك كما تنشرح إذا توليت على حدّ سواء فأنت صادق. فسكت ولم يجد جواباً".

انتهى كلامه رحمه الله.

(مصر)
دلالات
المساهمون