قبل ساعات قليلة من مباراة المنتخب المصري لكرة القدم مع منتخب الكونغو، في التصفيات المؤهلة لمونديال روسيا 2018، أصدر رئيس الوزراء المصري، على حين غفلة، قرارًا بإحالة القضايا الجديدة في بعض الجرائم المنصوص عليها فى عدة قوانين، إلى محاكم "أمن الدولة طوارئ"، وذلك طوال فترة تطبيق حالة الطوارئ التي أعلنت في نيسان/ أبريل الماضي.
تاه القرار الجديد، في غمرة الفرح بتأهل المنتخب إلى المونديال، ولم يلق حظه من البحث والتعليق، رغم أنه يمس عشرات القضايا ذات البعد السياسي، ورغم ما له من دلالات خطيرة.
ماذا تعني المحاكمة أمام محاكم أمن الدولة؟
حدد القرار مجموعة كبيرة من الجرائم التى ستحال إلى محاكم أمن الدولة، بينها الجرائم المنصوص عليها فى قانون التظاهر 107 لسنة 2013، وقانون التجمهر 10 لسنة 1914 (الباطل منذ أكثر من 80 عامًا)، وقانون مكافحة الإرهاب 94 لسنة 2015، وقانون تجريم الاعتداء على حرية العمل وتخريب المنشآت (الإضراب) 34 لسنة 2011، وقانون الأسلحة والذخائر 394 لسنة 1954، وقانون حرمة أماكن العبادة 113 لسنة 2008.
ويشمل القرار أيضًا الجرائم المتعلقة بالإرهاب والمساس بأمن الدولة والترويع والبلطجة وتعطيل وسائل المواصلات والمنصوص عليها في قانون العقوبات، وكذلك جرائم التموين ومخالفة التسعير الجبري.
كما هو واضح فإن القرار يمس أغلب الجرائم التي يتم توجيهها إلى المعارضين سياسيًا، من التظاهر والتجمهر إلى الإضراب وتعطيل المواصلات والمساس بأمن الدولة وغيرها، وهو بالتالي يهدف إلى معاقبة المعارضين بشكل أساسي، عبر تقديمهم محاكم استثنائية كمحاكم أمن الدولة.
تكمن خطورة التقاضي أمام محاكم أمن الدولة في أن أحكامها نهائية وغير قابلة للطعن بأي شكل من الأشكال، بمجرد تصديق رئيس الجمهورية أو من يفوضه على الأحكام، وبهذا فإن رقاب المعارضين السياسيين ستكون تحت يد رئيس الجمهورية بشكل مباشر، ولن يكون هناك أي طريق آخر للفكاك من قبضته.
يبدو أن النظام يعبّر بهذا القرار عن استيائه من تكرار صدور أحكام ببراءة معارضين في قضايا ذات شبهة سياسية، مثل "قضايا تيران وصنافير"؛ فقرر أن يكون الأمر بيده، خصوصًا وأن قانون الطوارئ يبيح لرئيس الجمهورية أن يضم لتشكيل محاكم أمن الدولة ضباطًا من القوات المسلحة.
مد حالة الطوارئ
أعلن رئيس الجمهورية حالة الطوارئ في 10 نيسان/ أبريل الماضي، لمدة ثلاثة أشهر، عقب سقوط عشرات القتلى والجرحى في تفجير كنيستين في مدينتي طنطا والإسكندرية، ثم مدها مرة أخرى في 10 تموز/ يوليو الماضي، لثلاثة أشهر جديدة، وهي مدة انتهت في 10 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، ولا يجوز تمديد حالة الطوارئ مرة أخرى إلا عقب إجراء استفتاء شعبي.
قرار رئيس الوزراء يبدو إذًا غريبًا في توقيته، فهو يأتي قبل يومين من انتهاء حالة الطوارئ، وبالتالي فإن القضايا التي يمسها ستكون محدودة ومحصورة في القضايا التي وقعت خلال الستة أشهر الماضية ولم تحل إلى المحاكم فقط، فهل كان القرار من أجل هذه القضايا فقط؟
ينص الدستور على أنه لا يجوز تمديد حالة الطوارئ سوى مرة واحدة إلا بعد إجراء استفتاء شعبي، لكنه لم يحظر إعادة إعلان حالة الطوارئ من جديد، وهو ما يبدو أن السلطة في اتجاه لفعله، وبناء عليه كان هذا القرار تمهيدًا لإعلان حالة الطوارئ مجددًا بعد أيام وربما ساعات من انتهائها، وبهذا يكون القرار من أجل المستقبل.