02 أكتوبر 2024
مقايضات بوتين السورية
غدت سورية، على ما يبدو، العقدة الأكثر تناولا في لقاءات الرئيسين، الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب. فأينما حل الرجلان، أو اجتمعا تحت مظلة دولية معينة، (طالما أن قمة بينهما باتت غير واردة مع تنامي الأدلة على تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية الأميركية) يخرج من جعبتيهما اتفاق بشأن سورية. وهذا لافت للانتباه، بمقدار ما يحتاج إلى تفسير. ففي الثامن من شهر يوليو/ تموز الماضي، توصل الرئيسان خلال قمة الاقتصادات العشرين الكبرى إلى اتفاق هامبورغ الذي أخرج منطقة جنوب سورية الغربي من اتفاقات خفض التصعيد التي أقرت في أستانة مطلع مايو/ أيار الماضي، ونص على وقف إطلاق النار، ونشر قوات من الشرطة العسكرية الروسية، وإبعاد المليشيات التابعة لإيران من المنطقة. وعلى هامش قمة دول آسيا والمحيط الهادئ (ابيك) في فيتنام، يوم 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، توصل الرئيسان إلى بيان مشترك بشأن كيفية المضي في إدارة الصراع في سورية، بعد انتهاء الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية.
وفيما بدا أن الاتفاق الأخير يؤسس لمرحلة تقاسم نفوذ بين القوتين الكبريين، لأنه ينظم الوجود العسكري الروسي والأميركي على ضفتي نهر الفرات، ويمنع حصول احتكاكٍ بين وكلائهما المحليين على الأرض، فالواضح أن جوهر اتفاقات هامبورغ في ألمانيا ودا نانغ في فيتنام (أقر تفاهم عمّان الثلاثي بخفض التصعيد في الجنوب السوري) هو التعاطي مع الوجود الإيراني في سورية، والذي بدأ يتحول بعد هزيمة "داعش" إلى العقدة الرئيسة في المسألة السورية.
وبعد أن فشلوا في احتواء إيران، ومنعها من السيطرة على الجزء الأكبر من البادية السورية، وبلوغ مدينة البوكمال التي تمثل نقطة تلاقي نفوذها في سورية والعراق، عبر عنها بجلاء التقاء مليشيات إيران على طرفي الحدود بين البلدين، بات الأميركيون يعوّلون على الروس، للقيام بهذه المهمة، لأن البديل، كما تروج واشنطن، هو انتقال الصراع الإسرائيلي- الإيراني منخفض المستوى حاليا في سورية إلى مواجهة مفتوحة، تضع روسيا أمام اختبارٍ صعب، يفرضه صدام بين "صديقين" لها هما إيران وإسرائيل التي ذكّرنا مسؤول روسي، أخيرا، بأهمية الحفاظ على أمنها، من باب أنه يعيش فيها مليون مواطن يحملون الجنسية الروسية.
كانت روسيا قد وافقت في اتفاق هامبورغ على إنشاء منطقة عازلة بعمق يتراوح بين 40 - 50 كلم، تديرها بنفسها لمنع أي احتكاكٍ بين "صديقيها" في الجنوب السوري، وهو ما عاد وأكد عليه تفاهم عمّان أخيرا، بحسب مسؤول أميركي، قال إن الاتفاق "ينص على جلاء جميع القوات الأجنبية عن جنوب غربي سورية، بما فيها القوات الإيرانية والفصائل المسلحة التابعة لها، ... وبقاء المنطقة تحت سيطرة فصائل المعارضة، حتى إتمام التسوية السياسية". وعلى الرغم من أن موسكو عادت وتبرأت من هذا "التأويل" للاتفاق، فليس هناك مجال للشك في أن للروس مصلحة حقيقية في إخراج إيران وأدواتها من سورية، بعد أن انتهت الحرب فيها، كما رأى أمين عام حزب الله أخيراً. لكن روسيا تريد خروج القوات الأميركية المتمركزة شرق سورية أيضاً. ويبدو أن موسكو بدأت تطرح هذه المقايضة على الطرفين، الأميركي والإيراني، بحيث تخلو لها الساحة السورية تماما. لذلك، يبدو من المهم الربط بين بيان دا نانغ والزيارة الخاطفة التي قام بها الرئيس بوتين إلى طهران مطلع الشهر الجاري، وشاع حينها أنها جاءت لطمأنة الإيرانيين بعد زيارة ملك السعودية موسكو. طبعاً من الصعب أن يفهم المرء كيف يمكن أن يتكبّد رئيس روسي عناء زيارة طهران لشرح أسباب استقباله رئيس دولة أخرى. ذهب بوتين إلى هناك، لاستمزاج رأي المرشد في فكرة مقايضة الانسحاب الإيراني بالانسحاب الأميركي قبل لقائه المرتقب مع ترامب في دا نانغ.
هل تقبل طهران بهذه المقايضة التي لمّح إليها أمين عام حزب الله، حسن نصرالله؟ لا يبدو هذا واضحاً على الرغم من أن الوجود العسكري الأميركي شرق سورية يهدّد النفوذ الإيراني في العراق. هل تقبل واشنطن بهذه المقايضة، للحد من النفوذ الإيراني، على الرغم من أن وجودها العسكري شرق سورية يؤمن لها تمركزاً جيو- استراتيجيا بين قوى الإقليم الكبرى؟ لا يبدو هذا واضحا أيضاً، الشيء الوحيد الواضح الآن أن الصراع على سورية لم يبلغ بعد نهايته، ولن يبلغها إلا بخروج كل القوات الأجنبية منها.
وفيما بدا أن الاتفاق الأخير يؤسس لمرحلة تقاسم نفوذ بين القوتين الكبريين، لأنه ينظم الوجود العسكري الروسي والأميركي على ضفتي نهر الفرات، ويمنع حصول احتكاكٍ بين وكلائهما المحليين على الأرض، فالواضح أن جوهر اتفاقات هامبورغ في ألمانيا ودا نانغ في فيتنام (أقر تفاهم عمّان الثلاثي بخفض التصعيد في الجنوب السوري) هو التعاطي مع الوجود الإيراني في سورية، والذي بدأ يتحول بعد هزيمة "داعش" إلى العقدة الرئيسة في المسألة السورية.
وبعد أن فشلوا في احتواء إيران، ومنعها من السيطرة على الجزء الأكبر من البادية السورية، وبلوغ مدينة البوكمال التي تمثل نقطة تلاقي نفوذها في سورية والعراق، عبر عنها بجلاء التقاء مليشيات إيران على طرفي الحدود بين البلدين، بات الأميركيون يعوّلون على الروس، للقيام بهذه المهمة، لأن البديل، كما تروج واشنطن، هو انتقال الصراع الإسرائيلي- الإيراني منخفض المستوى حاليا في سورية إلى مواجهة مفتوحة، تضع روسيا أمام اختبارٍ صعب، يفرضه صدام بين "صديقين" لها هما إيران وإسرائيل التي ذكّرنا مسؤول روسي، أخيرا، بأهمية الحفاظ على أمنها، من باب أنه يعيش فيها مليون مواطن يحملون الجنسية الروسية.
كانت روسيا قد وافقت في اتفاق هامبورغ على إنشاء منطقة عازلة بعمق يتراوح بين 40 - 50 كلم، تديرها بنفسها لمنع أي احتكاكٍ بين "صديقيها" في الجنوب السوري، وهو ما عاد وأكد عليه تفاهم عمّان أخيرا، بحسب مسؤول أميركي، قال إن الاتفاق "ينص على جلاء جميع القوات الأجنبية عن جنوب غربي سورية، بما فيها القوات الإيرانية والفصائل المسلحة التابعة لها، ... وبقاء المنطقة تحت سيطرة فصائل المعارضة، حتى إتمام التسوية السياسية". وعلى الرغم من أن موسكو عادت وتبرأت من هذا "التأويل" للاتفاق، فليس هناك مجال للشك في أن للروس مصلحة حقيقية في إخراج إيران وأدواتها من سورية، بعد أن انتهت الحرب فيها، كما رأى أمين عام حزب الله أخيراً. لكن روسيا تريد خروج القوات الأميركية المتمركزة شرق سورية أيضاً. ويبدو أن موسكو بدأت تطرح هذه المقايضة على الطرفين، الأميركي والإيراني، بحيث تخلو لها الساحة السورية تماما. لذلك، يبدو من المهم الربط بين بيان دا نانغ والزيارة الخاطفة التي قام بها الرئيس بوتين إلى طهران مطلع الشهر الجاري، وشاع حينها أنها جاءت لطمأنة الإيرانيين بعد زيارة ملك السعودية موسكو. طبعاً من الصعب أن يفهم المرء كيف يمكن أن يتكبّد رئيس روسي عناء زيارة طهران لشرح أسباب استقباله رئيس دولة أخرى. ذهب بوتين إلى هناك، لاستمزاج رأي المرشد في فكرة مقايضة الانسحاب الإيراني بالانسحاب الأميركي قبل لقائه المرتقب مع ترامب في دا نانغ.
هل تقبل طهران بهذه المقايضة التي لمّح إليها أمين عام حزب الله، حسن نصرالله؟ لا يبدو هذا واضحاً على الرغم من أن الوجود العسكري الأميركي شرق سورية يهدّد النفوذ الإيراني في العراق. هل تقبل واشنطن بهذه المقايضة، للحد من النفوذ الإيراني، على الرغم من أن وجودها العسكري شرق سورية يؤمن لها تمركزاً جيو- استراتيجيا بين قوى الإقليم الكبرى؟ لا يبدو هذا واضحا أيضاً، الشيء الوحيد الواضح الآن أن الصراع على سورية لم يبلغ بعد نهايته، ولن يبلغها إلا بخروج كل القوات الأجنبية منها.