ليست ملاحظة بقدر ما هي أمر يستدعي العجب. جزء كبير من أصدقائي الفلسطينيين على فيسبوك، وأغلبهم يعيشون خارج فلسطين، أو من أهلنا في 48، يحسّون بالأسى على فلسطين التي تحترق، بل ويؤنبون من يقول إن إسرائيل تحترق؛ حتى أن أحدهم اتهم من يقول ذلك بالتطبيع.
يبدو أن من هم في الخارج فعلًا خائفون على ما فقدوه، ما لن يسترجعوه، ما يتمتع به غيرهم ويعيش فيه فبنعيم عظيم الحقيقة، أهلنا في 48 موضوع آخر؛ هم تحت النار وقربها سلمهم الله فردًا فردًا.
أما عن أصدقائي في القدس والضفة الغربية، فأقاموا صلاة استسقاء جماعية فيسبوكية، ليس من أجل المطر، بل من أجل البنزين 95. هم أدرى في الأمر، أعرَف فيه ممن هم في الخارج. أحد الأصدقاء كتب على صفحته "يا رب توصل النار للمفاعل النووي". سألته: "يا رجل بينك وبين المفاعل النووي فش 100 كيلو وبتدعي يتفجر، هيك بنخلص كلنا يهود وعرب لحد اليمن والكوفة وسرت". أجاب: "يا عمي نموت إحنا وهمه مع بعض وتخلص القصة".
أما في قضية أن الله غاضبٌ لأجل الآذان، وأن هذه عقوبة لإسرائيل على كل ما فعلته، أو أي شكل من أشكال الشماتة؛ فهو موضوع مختلف بشكل كامل عن كل ما سبق. لله أن يغضب متى شاء وعلى الصورة التي يشاؤها هو، لا التي تظنها أنا أو أنت أو غيرك. وأن تكون هذه عقوبة إسرائيل فقط فوالله صراحة هذا غير عدل.
أما موضوع الشماتة، لنتخيل معًا شكل المستوطن الذي أحرق الرحيق الرضيع وكامل عائلته وهم آمنون يحترق الآن. لنتخيل أن أي مدينة عربية من الفرات إلى النيل احترقت. هل كان الإسرائيليون سيقولون "يا حرام" أو "الله لا يردهم"؟ أو حتى "هذه أرض إسرائيل التاريخية وهذا شجر أرض الأجداد" مثلاً.
اتسعت الآن رقعة النيران بشكل غير معقول، وبناء على حالة الريح والجفاف يتوقع أن تشتد وقد تصل إلى مناطق كثيرة أخرى في فلسطين التاريخية، وبحسب جيش الاحتلال؛ فإن التوقعات بالسيطرة عليه لن تتم قبل الثلاثاء المقبل. وقتها، سيكون كل شيء قد تحول إلى شواء حقيقي، وهم يقولون مستحيل أن يقوم الله بذلك، بل هو على الأغلب بفعلة فلسطيني. وقامت السلطات الصهيونية بالفعل حتى موعد كتابة هذا المقال باعتقال ستة فلسطينيين بهذه الشبهة. لكن وفي المقابل وحتى موعد هذا المقال قامت بإطلاق 600 سجين من سجن الكرمل.
رائحة رام الله الآن حريق فظيع، إسرائيل وجدت من يقوم بنجدتها، أما الضفة الغربية فستكون، إن وصلت النار لها لا سمح الله، في مأزق الحاجة إلى تصاريح من جهات إطفاء النار، وإلى تنسيق أمني عالي المستوى، لكي تدخل طائرات الأشقاء والأصدقاء لنجدتنا.
لكن، على الرغم من ذلك، الناس هنا يبدون أقل مبالاة، ليس موجعًا ما يحسّه الناس هنا، وأقصد الموت، ليس البعبع الذي يخيف كل البشرية، وبقدر ما يبدو الإنسان في كل مكان خائفًا من الموت. يبدو الإنسان هنا بشكل عام غير مهتم، أو لا يخاف.
أفهم أننا بحاجة لرؤية العدو يتعذّب، أفهم أننا نريد من الله أن يكون عادلًا بالطريقة التي نريدها منه للعدل، أفهم أن الكارما تتطلب أن تتصرف وترد على ما حدث ويحدث. بالطبع، عليك أن تكون خائفًا وحزينًا لو وقع هذا الحدث الذي سيكون عظيمًا وفارقًا على ما يبدو، وسوف يؤرخ له في التاريخ كـ "حريق إسرائيل الكبير"، لو كان هذا الحريق في أي دولة أخرى غير دولة الاحتلال.
لكن صدقني أن الذي يحترق الآن والذي ينطفئ الآن ليس فلسطين إطلاقًا؛ ما يحترق الآن شجر يُطعم الاحتلال ويظلله، وما يتوشح بالسخام الآن هي مرافق الاحتلال وبيوته ومستوطناته. بهذه المناسبة الجليلة، أحب أن أعيد على مسامعكم وأبصاركم ما نشره أفيخاي أدرعي من شدة إحساسه بفلسطينية إسرائيل وشجر إسرائيل وعصافيرها، إذ قال بعد أن نشر صورة لجندي يحمل العلم الإسرائيلي "منتصب القامة أمشي مرفوع الراية أمشي".
ما المانع ما دام جماعتنا، ومنا وفينا، أن تكون تل أبيب لديهم في الزهو إسرائيلية وفي الكارثة فلسطينية، وأن ينتصب القامة ومرفوعها ابن هالـ...