05 نوفمبر 2024
نحنُ والنّفط
كنّا، في لبنان، قبل اندلاع حروبنا الجميلة، لا نحسد أياً من البلدان المحيطة بنا على كثير شيء، لا على مستوى المناخ، ولا على طرق العيش، ولا على الموقع الجغرافي، اللهم إلا في ما يتعلّق بالثروة النفطية التي كانت تجعل لبنان يبدو كأنه منقلبٌ على نفسه، يظهر قاعُه على سطحه جبالاً وتنويعاتٍ سريعة بين انبساط وارتفاع، جعلته قابلا للاختصار بمقولة "نصف ساعة من الزمن تفصل ما بين شاطئه وجبله"، أو "بإمكانك السباحة على الشاطئ، وبعدها مباشرة التزلج على الثلج". هذا، في حين تكشّف لنا أن البلدان العربية الأخرى، والنفطية منها على وجه الخصوص، الكتومة من دون نتوءاتٍ تُذكر، هي التي تُخفي في بواطنها ثرواتٍ لا تنضب من الغاز والذهب الأسود. هكذا، حين اندلعت حرب 1975، بدا لنا لبنان منكشفا، مفضوحا، كأنما طافٍ على فراغ، في حين بدا الآخرون، على عكسنا تماما، مرتكزين على ما ينمو رويدا رويدا في البطن، كي ينبت على السطح من ثم، عمرانا ومشاريع تنميةٍ وسواها من الأمور التي جعلت بلدانهم محطّ أنظار القاصي والداني على السواء.
عشية اندلاع الحرب الأهلية، كان معلّمُنا، الشابُ اللبناني الجميل يساريُّ الهوى، يسخر من بلدنا عندما نبلغ، في حصّة الجغرافيا، فصولَ تعداد ثروات لبنان، الطبيعية والزراعية والمائية والحيوانية، هو الذي كان يردّد ساخرا أمامنا، ما سبق أن قاله صديقُه زياد: "لا مواد أوّلية في لبنان". يضحك معلّمنا، ونضحك معه، نحن الواقفون على عتبة المراهقة، غير مدركين أنّ في هذه الجملة يختبئ المفتاحُ الذي برّر، وسيبرّر لاحقا، لا رغبة السخرية فحسب من بلدٍ "ضعيف"، وإنما إرادة إنزال الخراب به، لكي "لا يبقى حجرٌ على حجر" فيه.
بعد سنوات الحروب والهجرة والتهجير والقتل والدمار، قيل لنا إن بحر لبنان ينام على ثروةٍ نفطيةٍ مؤكدةٍ واحتياطي غاز هائل، يفيضان عن الحاجة المحلّية، ليصبحا قابلَين للتصدير. ما أروعك يا الله. فهذا معناه أنه لم يعد لدينا سبب لنغار من الآخرين، وأن السنوات العجاف الطويلة ستتبعها أخيرا سنوات بركة واستثمار، وتحسين مستوى معيشة، وسدّ عجز خزينة الدولة المزمن، وحلّ معضلة الطاقة والكهرباء وتقنينها المستمر منذ 42 عاما، وتحسين البنية التحتية، وتطوير نظام الطبابة، ونظام التعليم، والضمان الاجتماعي، ودعم الثقافة ليعود للبنان دوره الأسبق الطليعي... أجل، شكرا لك يا الله. في المياه الإقليمية اللبنانية مخزونٌ من الذهب الأسود، سيقلب حياتنا رأسا على عقب، بعدما قاسينا كل ما قاسيناه، وصولا إلى إفراغ البلد من شبابه وأدمغته، وانقراض طبقتنا الوسطى، ونزولنا بأعداد غفيرة إلى ما تحت خط الفقر، مع حدّ أدنى للأجور، لا يتجاوز 675 ألف ليرة.
ومع تكاثر الأحاديث عن اقتراب موعد إبرام صفقات لاستخراج النفط اللبناني، بدأت أحلام الذهب الأسود تراودنا جميعا، فعاد إلى مخيلاتنا مسلسلُ دالاس الشهير برجاله المرتدين قبعاتهم البيضاء الكبيرة، ونسائه الجميلات الأنيقات اللواتي تلمع عليهن سلاسلُ الذهب وأقراطُ الماس. وبعد أن جاء خبراء، وجاءت شركاتٌ من مختلف أنحاء المعمورة تعرض علينا المساعدة، غادر الخبراءُ وانكفأت الشركاتُ لمّا استوعبت الانقسامات السياسية وخلافات المحاصصة وطبيعة الصفقات التي يعرضها عليها زعماءُ الطوائف والأحزاب، أيقـنّـا أن جيلنا على الأقل، إن لم تكن عدة أجيال، سيكون تحت التراب عند إنجاز ما حققته إسرائيل في غضون خمس سنوات!
قيل إن صدّام حسين، قبيل سقوطه، راح يوزّع بسخاء براميل النفط على من بايعوه، وأخلصوا له، وقدموا الخدمات، وكتبوا في نظامه المديح، وقيل إنه منحهم صكوكا تثبت امتلاكهم هبته تلك. هذا ما أكّدته لي الصحافية المعروفة التي أضافت متحسّرة: بعد سقوط الرئيس العراقي، أين تريدينني أن أصرف هذه الصكوك البراميل؟ ونحن، يا دولتنا البهية، أين تريديننا أن نصرف كلَّ أحلام النفط والغاز التي تغرقيننا بها منذ عقود؟
عشية اندلاع الحرب الأهلية، كان معلّمُنا، الشابُ اللبناني الجميل يساريُّ الهوى، يسخر من بلدنا عندما نبلغ، في حصّة الجغرافيا، فصولَ تعداد ثروات لبنان، الطبيعية والزراعية والمائية والحيوانية، هو الذي كان يردّد ساخرا أمامنا، ما سبق أن قاله صديقُه زياد: "لا مواد أوّلية في لبنان". يضحك معلّمنا، ونضحك معه، نحن الواقفون على عتبة المراهقة، غير مدركين أنّ في هذه الجملة يختبئ المفتاحُ الذي برّر، وسيبرّر لاحقا، لا رغبة السخرية فحسب من بلدٍ "ضعيف"، وإنما إرادة إنزال الخراب به، لكي "لا يبقى حجرٌ على حجر" فيه.
بعد سنوات الحروب والهجرة والتهجير والقتل والدمار، قيل لنا إن بحر لبنان ينام على ثروةٍ نفطيةٍ مؤكدةٍ واحتياطي غاز هائل، يفيضان عن الحاجة المحلّية، ليصبحا قابلَين للتصدير. ما أروعك يا الله. فهذا معناه أنه لم يعد لدينا سبب لنغار من الآخرين، وأن السنوات العجاف الطويلة ستتبعها أخيرا سنوات بركة واستثمار، وتحسين مستوى معيشة، وسدّ عجز خزينة الدولة المزمن، وحلّ معضلة الطاقة والكهرباء وتقنينها المستمر منذ 42 عاما، وتحسين البنية التحتية، وتطوير نظام الطبابة، ونظام التعليم، والضمان الاجتماعي، ودعم الثقافة ليعود للبنان دوره الأسبق الطليعي... أجل، شكرا لك يا الله. في المياه الإقليمية اللبنانية مخزونٌ من الذهب الأسود، سيقلب حياتنا رأسا على عقب، بعدما قاسينا كل ما قاسيناه، وصولا إلى إفراغ البلد من شبابه وأدمغته، وانقراض طبقتنا الوسطى، ونزولنا بأعداد غفيرة إلى ما تحت خط الفقر، مع حدّ أدنى للأجور، لا يتجاوز 675 ألف ليرة.
ومع تكاثر الأحاديث عن اقتراب موعد إبرام صفقات لاستخراج النفط اللبناني، بدأت أحلام الذهب الأسود تراودنا جميعا، فعاد إلى مخيلاتنا مسلسلُ دالاس الشهير برجاله المرتدين قبعاتهم البيضاء الكبيرة، ونسائه الجميلات الأنيقات اللواتي تلمع عليهن سلاسلُ الذهب وأقراطُ الماس. وبعد أن جاء خبراء، وجاءت شركاتٌ من مختلف أنحاء المعمورة تعرض علينا المساعدة، غادر الخبراءُ وانكفأت الشركاتُ لمّا استوعبت الانقسامات السياسية وخلافات المحاصصة وطبيعة الصفقات التي يعرضها عليها زعماءُ الطوائف والأحزاب، أيقـنّـا أن جيلنا على الأقل، إن لم تكن عدة أجيال، سيكون تحت التراب عند إنجاز ما حققته إسرائيل في غضون خمس سنوات!
قيل إن صدّام حسين، قبيل سقوطه، راح يوزّع بسخاء براميل النفط على من بايعوه، وأخلصوا له، وقدموا الخدمات، وكتبوا في نظامه المديح، وقيل إنه منحهم صكوكا تثبت امتلاكهم هبته تلك. هذا ما أكّدته لي الصحافية المعروفة التي أضافت متحسّرة: بعد سقوط الرئيس العراقي، أين تريدينني أن أصرف هذه الصكوك البراميل؟ ونحن، يا دولتنا البهية، أين تريديننا أن نصرف كلَّ أحلام النفط والغاز التي تغرقيننا بها منذ عقود؟