تقول حكمة ما: امضِ، فأمضي يحملُني بَعضي إلى حيثُ أريد، وبعضٌ مني يمكث ههنا، كأنَّ الجهة جهات تدورُ على نفسها، فلا الشمالُ شمالٌ ولا الجنوبُ حاملُ سحنةَ الأهل وطباعهم، ولا الغربُ غربٌ ولا الشرقُ شمسٌ ترتفعُ كرمحٍ بينَ قريتين وقصتين تنتهيانِ بالموت: قامةٌ طويلةٌ وظل عصاري وعاشقة وعاشق والحياة دائرة كبيرة وأيامنا بنات دوائر!.
أتأخر عن الحكمة والركب ووتر الرباب وعزيفِ الجن بين آثار الأهل، ثم أسمع وهمَ الإخوة عن اقتران الجنية بالجني والعرس وثياب الجان الملونة وآلاتهم الموسيقية وسياراتهم الصغيرة وبنادقهم، ما أكذبَ الإخوة، كيف صدّقوا، وكيف هذه البرية الشاسعة أخفت الاحتفال الكبير؟!.
هذا الإغواء يليق بك تقول البئرُ، ويقترب الصوتُ أكثر، أكاد أصدقُ ما ترى عيني!، ولا أصدّق الأصوات كلَّها ولا أذني، ثمة مكان غائب أصله في الأحلام ولا أصله.
تصالحتُ في رأسي وصالحتُ أصواتي وأمسكتُ يد الأنثى الليلية كأنها قدر وكأنيّ بعض الوهم الذي نبت فوق ألسنة إخوتي وفي قلوبهم وعلى ظهور حميرهم، وهم يعودون بالماء من عين اصطناعية قريبة ومفقوءة أكثر مما يجب.
قلت ضاقت أرضي علي والغابة ليست لي ولا التاريخ ولا عصافير الدوري العائدة ليلاً إلى جحورها في بيوتنا الطينية، فنمت أعشاب وسراخس من الرطوبة في قلبي، وكبرت معانٍ مرمية كجثث أطفال لقطاء أو مقابر تشبه أحذيةً كبيرة، ودخلت ولن أتأخرَّ قلت ومضيت إلى ما أحسَبه شأناً عظيماً، مضت صخرة كبيرة عليّ وعين ماء وربابة وبساطير جند وأمهات صغيرات وهباري البدويات وحناء وأمشاط عاج وبقايا خرفان وأنياب ذئب وأرض وتلال وبئر فرنسية في أسفل التل، وقرية ومدرسة ابتدائية وعاشقة وظلها فوق روحي يسقط عني وألتقطه، وأم ليست أمّاً، هي امرأة تحنّ على الحجر والديدان وحبّات القمح والصلاة، كذلك لا تعرفُ الصلاة، تقرأُ الفاتحة مغلوطةً، وتخلط بين سورتي الكهف ويوسف، كل ما تعرفهُ عن يوسف أنَّه شاب وسيم وفتن زليخةَ وأنجبا الغواية ولم ينجبا فحشاً!، وتأخرت، أنا المتأخرُ يا فتنة وأنا الرسول، حملتُ كلَّ ما يلزمُ المسافر والتائب وأرضي كلّها ونسيتُ الوصية ملفوفة بلحم طري ودم حار ينزُّ، ونسيت لساني، هل من مرتجى؟ رسول بلا لسان، عينان زائغتان وقلب مرتجفٌ من خوف قديمٍ وجسد موشوم بالكهرباء وأعقاب البنادقِ والعصي ومسامير الأحذية، كنت سأموت حين ماتَ من معي من الرفقة والحيوان والأحلام، لكن صدفةً ما بدّلتني وضعتني في جسد نمر وأعطتني قلبَ ذئب وطبع كلب وذاكرة سنونوة وعين صقر، ثمّ لفظتني مثل رصاصة فارغة خلف أبحر وفياف بعدَ أن كنت ابناً مخلصاً لذلك الفراغ اللامنتهي.
نسيت لساني ولم أنسَكِ، توحدت مع الفراغ اللامنتهي ويدكِ، ورحت أخطُّ بأصابعك على حيطان البلد ومنابع الأنهار وصوت الليل كما أني أجرح القلبَ وأهرقُ حكايته الأخيرة، ثمّ سكنت أصواتكم هناك، أنتم الذين تستافون التراب وتلقون بوجوهكم عليها كي لا تبرد أو تصاب بالرمد أو لوثة الحنين، هكذا تحدثت عنك بوصفك جمعاً وليس فرداً يخطئ ويصيب وقراره الفردي ليس قرار خلاصه وحده، أنت "الفَرد الحشود" وأنا مكتظٌ بك مثل حافلة تتسعُ لعشرين آدمياً فتأخذ حصة خمس حافلاتٍ قديمةٍ وتموت في منتصف الطريق، الحافلات التي تأخذ أكثر من حصتها تغصُّ بأحلام ركابها قبل أجسادهم!.
كذلك لديّ قصائد بشرائط ملونةٍ، أحزان أنيقة، ليل ونجوم كبيرة كالشموس، عرباتٌ تتجه نحو الشمس عربات بأحصنة صغيرة على المشي وذهبية، فمُكِ الكرز، قوامُك المُشتهى والمائي وشبه المعدنِ النفيس، ثمَّ أنا البار بكِ والعاق أيضاً، الواقفُ حدّ علامات الترقيم كإشارة (سير) معطلة في نصوصك الليلية الطويلة.
أنتِ الأرضُ بامتدادات الماء والشجرة وانعكاسات الأزرق، وأنا الإنسان البسيط كأرنبٍ خائفٍ، أحاول جاهداً أكون السماء، وأفشلُ، دائماً، مثل كلّ الآلهة في السيَّر القديمة والناقصة. تقول حكمةٌ ما: حاول، فأحاول!.
هذا رسولي إلى الجهات منذ أنْ خرّت نجمة وقال قائلٌ: مات الفتى العظيم، فماتت طرقٌ تؤدي إلىَ جنوب السماء، شمال شرق الحكاية، وجاءت الجنيات بكل ما أوتين من حيلةٍ فأولمن حفلَ النار وأشعلن حطب الغواية من جديد، حتى إذا سمعت الإخوة قصة قصة، قلتُ: هذا رسولي وهذا بيانه والجهاتُ دوائر.
(سورية)
أتأخر عن الحكمة والركب ووتر الرباب وعزيفِ الجن بين آثار الأهل، ثم أسمع وهمَ الإخوة عن اقتران الجنية بالجني والعرس وثياب الجان الملونة وآلاتهم الموسيقية وسياراتهم الصغيرة وبنادقهم، ما أكذبَ الإخوة، كيف صدّقوا، وكيف هذه البرية الشاسعة أخفت الاحتفال الكبير؟!.
هذا الإغواء يليق بك تقول البئرُ، ويقترب الصوتُ أكثر، أكاد أصدقُ ما ترى عيني!، ولا أصدّق الأصوات كلَّها ولا أذني، ثمة مكان غائب أصله في الأحلام ولا أصله.
تصالحتُ في رأسي وصالحتُ أصواتي وأمسكتُ يد الأنثى الليلية كأنها قدر وكأنيّ بعض الوهم الذي نبت فوق ألسنة إخوتي وفي قلوبهم وعلى ظهور حميرهم، وهم يعودون بالماء من عين اصطناعية قريبة ومفقوءة أكثر مما يجب.
قلت ضاقت أرضي علي والغابة ليست لي ولا التاريخ ولا عصافير الدوري العائدة ليلاً إلى جحورها في بيوتنا الطينية، فنمت أعشاب وسراخس من الرطوبة في قلبي، وكبرت معانٍ مرمية كجثث أطفال لقطاء أو مقابر تشبه أحذيةً كبيرة، ودخلت ولن أتأخرَّ قلت ومضيت إلى ما أحسَبه شأناً عظيماً، مضت صخرة كبيرة عليّ وعين ماء وربابة وبساطير جند وأمهات صغيرات وهباري البدويات وحناء وأمشاط عاج وبقايا خرفان وأنياب ذئب وأرض وتلال وبئر فرنسية في أسفل التل، وقرية ومدرسة ابتدائية وعاشقة وظلها فوق روحي يسقط عني وألتقطه، وأم ليست أمّاً، هي امرأة تحنّ على الحجر والديدان وحبّات القمح والصلاة، كذلك لا تعرفُ الصلاة، تقرأُ الفاتحة مغلوطةً، وتخلط بين سورتي الكهف ويوسف، كل ما تعرفهُ عن يوسف أنَّه شاب وسيم وفتن زليخةَ وأنجبا الغواية ولم ينجبا فحشاً!، وتأخرت، أنا المتأخرُ يا فتنة وأنا الرسول، حملتُ كلَّ ما يلزمُ المسافر والتائب وأرضي كلّها ونسيتُ الوصية ملفوفة بلحم طري ودم حار ينزُّ، ونسيت لساني، هل من مرتجى؟ رسول بلا لسان، عينان زائغتان وقلب مرتجفٌ من خوف قديمٍ وجسد موشوم بالكهرباء وأعقاب البنادقِ والعصي ومسامير الأحذية، كنت سأموت حين ماتَ من معي من الرفقة والحيوان والأحلام، لكن صدفةً ما بدّلتني وضعتني في جسد نمر وأعطتني قلبَ ذئب وطبع كلب وذاكرة سنونوة وعين صقر، ثمّ لفظتني مثل رصاصة فارغة خلف أبحر وفياف بعدَ أن كنت ابناً مخلصاً لذلك الفراغ اللامنتهي.
نسيت لساني ولم أنسَكِ، توحدت مع الفراغ اللامنتهي ويدكِ، ورحت أخطُّ بأصابعك على حيطان البلد ومنابع الأنهار وصوت الليل كما أني أجرح القلبَ وأهرقُ حكايته الأخيرة، ثمّ سكنت أصواتكم هناك، أنتم الذين تستافون التراب وتلقون بوجوهكم عليها كي لا تبرد أو تصاب بالرمد أو لوثة الحنين، هكذا تحدثت عنك بوصفك جمعاً وليس فرداً يخطئ ويصيب وقراره الفردي ليس قرار خلاصه وحده، أنت "الفَرد الحشود" وأنا مكتظٌ بك مثل حافلة تتسعُ لعشرين آدمياً فتأخذ حصة خمس حافلاتٍ قديمةٍ وتموت في منتصف الطريق، الحافلات التي تأخذ أكثر من حصتها تغصُّ بأحلام ركابها قبل أجسادهم!.
كذلك لديّ قصائد بشرائط ملونةٍ، أحزان أنيقة، ليل ونجوم كبيرة كالشموس، عرباتٌ تتجه نحو الشمس عربات بأحصنة صغيرة على المشي وذهبية، فمُكِ الكرز، قوامُك المُشتهى والمائي وشبه المعدنِ النفيس، ثمَّ أنا البار بكِ والعاق أيضاً، الواقفُ حدّ علامات الترقيم كإشارة (سير) معطلة في نصوصك الليلية الطويلة.
أنتِ الأرضُ بامتدادات الماء والشجرة وانعكاسات الأزرق، وأنا الإنسان البسيط كأرنبٍ خائفٍ، أحاول جاهداً أكون السماء، وأفشلُ، دائماً، مثل كلّ الآلهة في السيَّر القديمة والناقصة. تقول حكمةٌ ما: حاول، فأحاول!.
هذا رسولي إلى الجهات منذ أنْ خرّت نجمة وقال قائلٌ: مات الفتى العظيم، فماتت طرقٌ تؤدي إلىَ جنوب السماء، شمال شرق الحكاية، وجاءت الجنيات بكل ما أوتين من حيلةٍ فأولمن حفلَ النار وأشعلن حطب الغواية من جديد، حتى إذا سمعت الإخوة قصة قصة، قلتُ: هذا رسولي وهذا بيانه والجهاتُ دوائر.
(سورية)