هكذا يتحايل المصريون على غياب موائد الرحمن
القاهرة
العربي الجديد
أُلغيت موائد الرحمن التي كانت تُقام في مصر خلال شهر رمضان سنوياً، ويستفيد منها الفقراء. إلا أن الأشخاص الذين كانوا يشاركون في تنظيم هذه الموائد، وجدوا بدائل، منها إيصال الطعام إلى البيوت، أو إعطاؤه للناس على الطرقات
في أغلب الشوارع المصرية، اختفت إعلانات موائد الرحمن، في ظل سياسات الحكومة المصرية لمنع التجمعات، خشية انتشار فيروس كورونا الجديد. إلا أن هذه الإجراءات الاحترازية للوقاية من الفيروس لم تمنع البحث عن بدائل لهذه الموائد، التي تعدّ أساسية خلال شهر رمضان.
قرّرت مجموعة من خرّيجات جامعة خاصة في مدينة السادس من أكتوبر متابعة عمل الخير الذي كنّ يقمن به. هؤلاء كنّ يحرصن كل عام على جمع التبرعات من أجل إقامة مائدة رحمان كبيرة في تلك المدينة التي يقصدها العمال في مدينة الإنتاج الإعلامي، أو عمال المقاولات في التجمعات السكنية "كومباوند"، أو عمال الجامعات المنتشرة في تلك المدينة، وأي عابر سبيل يقصد تلك المدينة في ضواحي محافظة الجيزة من أجل العمل.
لكن هذا العام، مع توقف الدراسة، وتوقف العمل في أغلب القطاعات، لم يشأنَ أن يتوقف عمل الخير الذي داومنَ عليه سنوياً، فقررت الشابات اللواتي يُطلقنَ على أنفسهن اسم مجموعة "بلدنا"، جمع التبرعات وتخصيصها لإعداد وجبات إفطار صائم توزع على أهالي المرضى في المستشفيات الحكومية الفقيرة مثل معهد الأورام وقصر العيني وغيرهما.
ويستطيع العابر في منطقة المنيل وشارع قصر العيني في وسط القاهرة، أن يشاهد طوال العام تجمعات أسر وأقارب المرضى في المستشفيات الحكومية ساعات طويلة في انتظار انتهاء جلسة علاج كيميائي أو موعد غسل كلى أو غير ذلك. وفي رمضان، تمتد ساعات الانتظار تلك إلى ما بعد المغرب. إذاً، تحولت مائدة الرحمن إلى وجبات جاهزة وساخنة ومعلبة تُقدّم لهؤلاء قبل موعد الإفطار.
وفي ضواحي الجيزة امتداداً إلى شارع الطيران في مصر الجديدة شرقي القاهرة، يستمر الشباب الذين يطلقون على أنفسهم مجموعة "خطى" في إعداد حقائب رمضان ووجبات إفطار الصائم سنوياً. لكن هذا العام، قرروا أن يتولوا بأنفسهم مهمة توصيل الوجبات إلى منازل المحتاجين مباشرة، من خلال التنقل بسيارات أفراد فريق "خطى" قبل ساعة من موعد الإفطار في أحياء القاهرة والجيزة. ويقول أحد أفراد الفريق: "قبل أذان المغرب بساعة، تكون الشوارع شبه فارغة، والتنقل سهل للغاية. لذلك، نحرص على إنهاء طبخ الطعام ثم تغليف الوجبات وتعليبها، وتحميلها في السيارات من أجل توصيلها إلى مستحقيها قبل المغرب". يضيف: "نعمل على إعداد وجبات إفطار الصائم منذ أكثر من 15 عاماً. معظمنا أصدقاء من الجامعة، وما زلنا نعمل معاً حتى اليوم. وطوال كل هذه الأعوام، أصبح لدينا قوائم لعائلات نعرفها بشكل دقيق. نوصل إليها الطعام مباشرة، ونحرص على زيادة الوجبات من أجل توزيعها على أي محتاج في طريقنا".
على نهج "بلدنا" و"خطى"، حرص القائمون على مستشفى 25 يناير الخيري في محافظة الشرقية في دلتا مصر، على جمع تبرعات لأهالي المحافظة، لإعداد حقائب رمضان ووجبات إفطار صائم ودعم العمالة اليومية المتضررة من جراء توقف الأنشطة الاقتصادية. وطرح المستشفى عبر موقعه الإلكتروني وسائل لجمع التبرعات، من خلال حسابات المصارف أو الهاتف المحمول أو مندوب يصل إلى المتبرع شخصياً. وحدد المستشفى قيمة الوجبة بـ 25 جنيهاً (نحو 1.5 دولارات)، وقيمة دعم العمالة اليومية بـ 100 جنيه (نحو ستة دولارات)، وتمكن من جمع نحو 70 في المائة من إجمالي التبرعات حتى اليوم الثاني من رمضان.
أطلقت مجموعة من الشباب عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" فكرة "دليفري موائد الرحمن"، بهدف توصيل من القائمين عليها إلى المحتاجين. "واقترح البعض أن تقوم كل مجموعة منفصلة بالعمل، لكن نحن أصحاب الفكرة والمبادرة لتشجيع الجميع على تنفيذ الفكرة نفسها كل بحسب بطريقته". وأوضحت المجموعة أن بعض النساء تطوعن لإعداد وجبات في المنزل، لكن العدد ظلّ محدوداً، ثمّ طرحت الفكرة على المطاعم المجاورة لمساعدتها على إعداد الوجبات. كذلك تطوع شباب لتوصيل الطعام.
كذلك فإنّ المؤسسات والجمعيات الخيرية الكبرى في مصر حرصت على منع التجمعات في موائد الرحمن من خلال إعلاناتها لجمع التبرعات على مواقع التواصل الاجتماعي، تحت شعار "خد وجبتك وافطر في بيتك". على سبيل المثال، احتوى إعلان بنك الطعام المصري على "فيسبوك"، على عبارة "غياب موائد الرحمن لا يمكن أن يوقفنا عن دورنا في إفطار الصائمين. في بنك الطعام المصري بزكاتكم هنقدم 100 ألف وجبة فطار وسحور كل يوم طول الشهر في كل محافظات مصر. اتبرع بوجبات إفطار الصائم ودعم العمالة اليومية من خلال موقعنا الإلكتروني".