غدت التكنولوجيا ركيزة الاقتصاد ورافعة نموه. وترتبط هذه الأخيرة بالاستثمار في "الاقتصاد الإبداعي". فهل توفر الدول العربية المناخ الملائم لتطوره؟
محمد طارق: نحن متأخرون معرفياً
محمد طارق: نحن متأخرون معرفياً
يرى أستاذ الاقتصاد بجامعة الحسن الثاني الدكتور محمد طارق، أن المجتمع البشري وحسب المؤرخين، ارتبط تطوره أساساً بثلاث مراحل أساسية، شكلها انفجار "الثورة الزراعية" التي قادت نحو "الثورة الصناعية"، ومن ثم المعرفة باعتبارها أساس "الثورة المعرفية"، أو ما بات يعرف في الوقت الحالي بـ"التحول الثالث، حيث أصبح الاستثمار في الإبداع ليس شكلاً من أشكال التأملات الفكرية الخالصة، بل قضية اقتصادية وسياسية واجتماعية. ومن هذه الأسس يؤكد محمد طارق في تصريحه لـ"العربي الجديد" أن "الاقتصاد الإبداعي أصبح محركاً رئيسياً في تنويع وتحديث اقتصادات عدد من البلدان، في الوقت الذي أصبح فيه امتلاك وحيازة وسائل المعرفة بشكل موجه وصحيح، واستثمارها بكفاءة وفعالية من خلال دمج المهارات وأدوات المعرفة الفنية والابتكارية والتقنية المتطورة، لا بد أن يشكل إضافة حقيقية للاقتصادات العربية وقاعدة للانطلاق نحو التحول إلى الاقتصاد المبني على المعرفة".
ويرصد الدكتور محمد طارق مكامن الخلل في الاقتصاد الإبداعي داخل الدول العربية، ويقول بهذا الصدد "إن ملامح الوطن العربي في ما يخص عصر المعلومات وتكنولوجيا المعلومات، تعكس لنا المؤشرات مظاهر الخلل الاقتصادي الشديد المتمثل في انخفاض القدرات الإنتاجية وتآكل المزايا النسبية للعمالة العربية الرخيصة، والتضخم والعجز الشديد في ميزان المدفوعات، هذا العجز الذي سوف يتفاقم كلما ازدادت أهمية الدور الذي يلعبه قطاع المعلومات وصناعة البرمجيات في حجم التبادل التجاري، مقابل تراجع وعدم تطور واستثمار الدول العربية في هذه القطاعات بناء على أسس الاقتصاد الإبداعي".
ويضيف المتحدث ذاته "إذا ما أردنا الحديث عن اقتصاد المعرفة والإبداع في الدول العربية، فإنها تتفاوت فيما بينها تفاوتاً نسبياً في دليل اقتصاد المعرفة، حيث يلاحظ أن قيمة دليل اقتصاد المعرفة تتراوح بين: 6.4 للإمارات العربية المتحدة، و 1.2 لجيبوتي. وبهذا فإن ترتيب الدول العربية ضمن دول العالم يتفاوت بين الترتيب 43 للإمارات العربية المتحدة إلى 132 لجيبوتي. وهو الترتيب الرابع قبل الأخير ضمن دول العالم، ويحتل المغرب مثلا 3.3 على مستوى ترتيب اقتصاد المعرفة، لكن ما يسجل هو تطور صناعة المعلومات في بعض البلدان العربية مثل لبنان".
ويعتبر أستاذ الاقتصاد في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن تطوير اقتصاد الإبداع في الدول العربية يحتاج إلى توفر مناخ يعتمد على تشجيع العلم والمعرفة، وتطوير مؤسسات التنشئة الاجتماعية، مع ضرورة فتح آفاق البحث العلمي، بما يجعل من الاستثمار في الإنسان هو قاطرة التطور والازدهار. ويشدد طارق على أن كل ما سبق يفرض على المسؤولين السياسيين في الدول العربية تنسيق الجهود العربية/العربية، وتطوير وتشجيع التعاون المعرفي والعلمي بين الجامعات والمعاهد العربية، في أفق امتلاك أدوات البحث العلمي والانخراط في ركب اقتصاد المعرفة والإبداع العالمي.
ويختم دكتور الاقتصاد حسن طارق مطالباً بضرورة فهم تعريف اقتصاد المعرفة، والذي يعرفه بأنه "نظام اقتصادي يمثل فيه العلم الكيفي والنوعي عنصر الإنتاج الأساسي والقوة الدافعة لإنتاج الثورة، وبالتالي فهو ذلك الاقتصاد الذي يعمل على زيادة نمو معدل الإنتاج، بشكل مرتفع على المدى الطويل بفضل استعمال واستخدام تكنولوجيا الإعلام والاتصال". ويرتكز حسب نفس المتحدث على سمات وخصائص لخصها في: "التركيز على الاستثمار في الموارد البشرية، اعتماد التعلم والتدريب المستمرين وإعادة التدريب، والانتقال من النشاط الاقتصادي المرتكز على إنتاج وصناعة السلع إلى إنتاج وصناعة الخدمات المعرفية".
صادق جبنون: الدول العربية تتقدم
يقول الخبير الاقتصادي التونسي، صادق جبنون، إن الدول العربية تعيش منذ مدة مواجهة تحدي التحول التكنولوجي، وانتقال النظام الاقتصادي من أشكاله التقليدية في الإنتاج وتحقيق النمو، إلى أشكال جديدة تعتمد بالدرجة الأولى على المعرفة والعلوم، وتطوير كل ما له علاقة بتكنولوجيا الاتصالات والإدارة والتخطيط.
ويؤكد في تصريحه، لـ"العربي الجديد"، أن مجموعة من الدول العربية شهدت طيلة الفترة نمواً متفاوتاً في ما يتعلق بالاستثمار في الاقتصاد الإبداعي، أو ما يمكن تسميته بـ"الاقتصاد المعرفي والعلمي". ويضع الخبير الاقتصادي التونسي دول الخليج على رأس قائمة الدول العربية، التي استطاعت أن توفر أسس الاستثمار في الاقتصاد الإبداعي، بل تمكنت بحسبه، من تبوؤ مكانة عالمية متقدمة بفضل الجامعات العلمية التي فتحتها داخل دولها، وساهمت في تكوين جيل تمكن من تكنولوجيا الاستثمارات الجديدة، بالإضافة إلى اعتماد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على توطين الجامعات الدولية "الأنغلوسكسونية". وكل هذا حسب المتحدث ذاته، يخدم إلى حد كبير الاقتصاد الإبداعي لدول الخليج العربي.
ويسترسل صادق جبنون في حديثه مع "العربي الجديد"، رصد تطور الدول العربية في مجال الاقتصاد الإبداعي، بوضع دول تونس، مصر، المغرب، على رأس قائمة الدول العربية غير النفطية، التي استطاعت أن تستثمر بشكل أفضل من باقي الدول في الاقتصاد الإبداعي. ويقدم على هذه الدول المملكة المغربية، حيث يقول إنها استطاعت أن تتبوأ الرتبة الثانية في أفريقيا من حيث استقطاب الاستثمارات الدولية بعد جنوب أفريقيا، بفضل التغيير القوي الذي أحدث على مستوى إدارة الاستثمارات، وخاصة منها ذات القيمة المضافة العالية، والتي تؤسس على مفهوم "الاقتصاد الإبداعي"، بل ذهب الخبير الاقتصادي التونسي حد القول بأن المملكة المغربية قادرة على لعب دور سنغافورة مستقبلاً، إذا استمرت في اعتماد توظيف واستقطاب الاستثمارات التي تعتمد على المعرفة والتكنولوجيا بنفس الوتيرة.
ويشدد صادق جبنون على أن ما تحتاجه الدول العربية، وخاصة منها المتأخرة في هذا المجال، موجود في الأموال التي تهاجر صوب الاستثمار في صناديق المضاربة العقيمة خارج المنطقة العربية، عوض الاستثمار في الذكاء العربي. ويختم تصريحه بالقول: "التكامل في التمويل والشراكات المعرفية بين الجامعات العربية، مفتاح تطوير ونمو الاقتصاد الإبداعي".