هل يمثل لبنان "المفلس" أمام محاكم الدول الدائنة؟

بيروت
ريتا الجمّال (العربي الجديد)
ريتا الجمّال
صحافية لبنانية. مراسلة العربي الجديد في بيروت.
08 مارس 2020
952ACD88-45D5-4B01-9AA3-16944D73815E
+ الخط -

رسمياً، دخلَ لبنان المرحلة الأخطر مالياً واقتصادياً في تاريخه، مع عجزه للمرّة الأولى عن تسديد سنداته الدولارية لاستحقاق التاسع من مارس/آذار، والذي يبلغ 1.2 مليار دولار أميركي قبل أن يدخل نفقاً استحقاقياً 14 إبريل/نيسان القادم بقيمة 700 مليون دولار، واستحقاق 19 يونيو/حزيران بقيمة 600 مليون دولار.

رئيس الحكومة اللبناني حسان دياب خرج مساء السبت في كلمةٍ مباشرة توجّه بها إلى اللبنانيين بحضور الوزراء في قاعة السرايا الحكومية، وذلك بعد انتهاء جلسة مجلس الوزراء التي عقدت في قصر بعبدا، معلناً اتخاذ قرار تعليق سداد استحقاق 9 مارس من اليوروبوند، وهو الذي يتحفّظ على استخدام كلمة "عدم دفع" مستبدلاً إياها بـ"تعليق".

وقال دياب "إن قرار تعليق الدفع هو اليوم السبيل الوحيد لوقف الاستنزاف وحماية المصلحة العامة، بالتزامن مع إطلاق برنامج شامل للإصلاحات اللازمة، من أجل بناء اقتصاد متين ومستدام على أسس صلبة ومحدثة".

وشدد رئيس الحكومة على أن الدولة اللبنانية "ستسعى إلى إعادة هيكلة ديونها، بما يتناسب مع المصلحة الوطنية، عبر خوض مفاوضات منصفة، وحسنة النية، مع الدائنين كافة. ولا يجوز أن ننفق أكثر مما نجني. وستحقق خطة التغويز التي اعتمدتها حكومتنا وفرا يصل إلى أكثر من 350 مليون دولار في العام". معلناً "أننا باشرنا بإعداد استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد".

ويرى وزير الاقتصاد السّابق آلان حكيم خلال تصريحات لـ"العربي الجديد"، أنّ عدم دفع لبنان السندات المتوجبة عليه يعني إفلاس الدولة، ما يضعها في إطار الدول غير القادرة على القيام بواجباتها تجاه دائنيها.

ويشير حكيم إلى أنّ المشكلة "لا تكمن في الدفع من عدمه، بل بالتصوّر الذي تضعه الدولة اللبنانية ورؤيتها للمستقبل، والخطة الإنقاذية التي تطرحها وتواجه بها الدائنين، في خطوات تكون بمثابة وضع حجر الأساس الذي من شأنه أن يخفف ثقل الدين العام عن كاهل المواطن اللبناني ويحسّن من سمعة لبنان في الخارج ولدى الأطراف الدائنة".

ويلفت إلى أنّ كلفة دفع السندات أو عدم تسديدها موجودة في الحالتين، وهي باهظة على الصعيد الرقمي وسمعة الدولة، ولا شك أن ما حصل اليوم يؤثر على بقية الاستحقاقات، ولكن يمكن أخذه بعين الاعتبار لمراجعة الحلول المتاحة وتغيير المعايير لناحية تصرّفات الدولة والإدارة الداخلية التي تؤدي بنا إلى تسديد المستحقات المقبلة، بعدما تنجح الحكومة في إظهار رصانة الدولة بالإصلاحات والشفافية والحوكمة الرشيدة.

من جهته، يؤكد النائب الثاني السابق لحاكم مصرف لبنان سعد العنداري لـ"العربي الجديد"، أنّ عدم الدفع "هو بمثابة إشهار إفلاس الدولة، ولا أفهم كيف لحكومة جديدة أن تتحمّل مسؤولية أخطاء متراكمة لحكومات سابقة بدل أن تتجه إلى التسديد الذي يبقى أقل الشرّين، إذ كان من شأنه أن يعطينا فرصة التفاوض مع الدائنين في الخارج لإعادة جدولة السندات، بعكس حالة عدم الدفع التي تفقدنا المصداقية وتجعلنا أمام العالم دولة مفلسة".

وإذ يشدد العنداري على أن عدم الدفع يدخل المودع في ضغوطٍ كبيرةٍ، ويؤدي حكماً إلى بدء الـ"Hair Cut" أي عملية الخصم القسري للدين، يسأل، لماذا على الحكومة أن تدير الإفلاس بدل إدارة الإصلاح؟ ولماذا الذهاب باتجاه الطريق الأسهل أي الإفلاس والهروب من مسؤولية الإصلاح؟

نتائج قانونية أيضاً

للقانون كذلك رأيه في هذه القضية، حيث إنّ عدم تسديد الدين يترتّب عليه نتائج قانونية عدّة بحسب تأكيد المحامي أنطوان صفير لـ"العربي الجديد".

ويوضح أن الدائن "كما في كلّ دين عادي له أن يطالب بحقوقه، لكن المشكلة تكمن في أن المدين هنا ليس بمدين عادي بل دولة ذات سيادة، وبالتالي، ليس هناك من إمكانية لمقاضاة الدولة عبر أملاكها أي سفاراتها وقنصليّاتها في الخارج، إنما يمكن للدائنين أن يعملوا على حجز مؤسساتٍ يكون للدولة بعض الحصصِ أو الأسهم فيها، وهذا يبقى ضمن إطار السلطة التقديرية التي تعود للمحاكم الوطنية التابعة للدول الدائنة".

ويشدد صفير في المقابل على أن الطابع السياسي "يمكن أن يتفوّق على القانون، بمعنى أنّ الدول الدائنة من المحتمل ألا تلاحق الدولة اللبنانية باعتبار أن هناك استحقاقات مقبلة قد تكون جزءا فيها، ما يتيح فرصة الوصول إلى تفاهمٍ معيّن بين الأطراف المعنية على إعادة هيكلة الدين والتموضع لناحية تاريخ الاستحقاق والفوائد وغير ذلك؟".

ويرى أنّ تحرّك الحكومة اللبنانية "تأخر جداً، ما يحتّم عليها اليوم تسريع إجراءاتها ومشاوراتها، وخصوصاً مع أصدقاء لبنان الذين يعبّرون عن استعدادهم لتقديم المساعدة للدولة اللبنانية في خطوة تمنع كذلك مقاضاتها".

وتزامنت كلمة دياب وقبلها جلسة مجلس الوزراء والاجتماع المالي والاقتصادي مع تنفيذ تحركات شعبية واسعة شملت مختلف المناطق اللبنانية رفضاً للسياسات المالية التي أدت إلى اندلاع أزمات لم يشهد لبنان مثيلاً لها في تاريخه، وأفقرت شعبه ورفعت مستوى البطالة فيه ونسب الهجرة والقلة.

دلالات

ذات صلة

الصورة
أنشطة ترفيهية للأطفال النازحين إلى طرابلس (العربي الجديد)

مجتمع

أطلقت منظمات وجمعيات أهلية في مدينة طرابلس اللبنانية مبادرات للتعاطي مع تبعات موجة النزوح الكبيرة التي شهدتها المدينة خلال الفترة الأخيرة.
الصورة
دمار جراء غارات إسرائيلية على بعلبك، 25 أكتوبر 2024 (Getty)

سياسة

شنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي سلسلة غارات دموية على مناطق عدّة في محافظة بعلبك الهرمل اللبنانية أدت إلى سقوط عدد كبيرٍ من الشهداء والجرحى وتسجيل دمار كبير
الصورة
غارة جوية على قرية الخيام جنوب لبنان، 3 أكتوبر 2024 (فرانس برس)

سياسة

يكثّف جيش الاحتلال الإسرائيلي من سياسة تدمير المربعات السكنية ونسفها في جنوب لبنان على غرار الاستراتيجية التي يعتمدها في غزة منذ بدء حربه على القطاع
الصورة
آلية عسكرية إسرائيلية قرب حدود قطاع غزة، 6 أكتوبر 2024 (ميناحيم كاهانا/فرانس برس)

سياسة

شهر أكتوبر الحالي هو الأصعب على إسرائيل منذ بداية العام 2024، إذ قُتل فيه 64 إسرائيلياً على الأقل، معظمهم جنود، خلال عمليات الاحتلال في غزة ولبنان والضفة.
المساهمون