وجودية
"الإنسان يمقت الموت ولا يستطيع إيقاف العبث"، "الإنسان يؤمن بنفسه وبموته، ويواجه معتقداته وعبثه بشكل شجاع"، عبارتان متناقضتان من جدال دار بين رجلين في فيلم سينمائي سويدي أنتج في خمسينيات القرن الماضي للمخرج، إنغمار برغمان.
حسب فهمي للعبارتين فإنهما تحملان إحساساً دفيناً وفنياً ممزوجاً برائحة الموت والزهوة الفكرية، الجملة الأولى تعني الإنسان الذي يحاول أن يصالح العمر وسط مشاعر العدمية واللا جدوى مع ضرورة العيش والبقاء، ذلك النموذج يجد حزناً وظلماً بالحياة لا يراه أحد سواه، هو يشعر أن ثمة خطيئة كبرى بالحياة لا يحسها الآخرون، في هذه الحالة الإنسان سيكون قريباً من فكرة الإيمان دون الوصول إليها بالتزامن مع شعور بالإنهاك ونفاد الصبر بينما العمر يمضي والشيخوخة تغلب الفكرة برائحة موتها البليد.
الجملة الثانية، تحمل حسماً أكبر لِما يريد أن يَكونه الفرد، تتحدث عن الثقة من غاية الحياة، في هذه الحالة ربما يحسم الأمر لصالح الرب ويريح الشخص نفسه من عاصفة الأسئلة الكونية أو يفرض حلاًّ تصالحيّاً نسبيّاً يعترف من خلاله بالقوة العليا بعيداً عمّا هو مدون أسفلها، ولكن بذات الوقت سيكون مهزوماً أكثر من النموذج الأول وقد خسر الإحساس بالتحدي والمنافسة على الفكر وعلى القوة العقلية، ولكن شعوراً بالأمان سيعوض كل ما فات. إنها راحة البال المنشودة بالنسبة إليه، أو ربما تفضي به قناعاته إلى أن حقيقة العبث هي الجزء الذي تبنى عليه لحظات خاصة مكتنزة إبداعاً وطاقة ذات إشعاع.
بوضوح وحزم، هاتان الجملتان تختصران جنوح الحراك الإنساني نحو رغبة السلام والتصالح المُنهك مع الذات، نحو صيرورة الحياة ودقات القدر المقبلة، بالنسبة للبشر لن تتوقف التساؤلات الكبرى عن معنى الحياة ذلك لأن ثمة مليارات الاحتمالات من البشر ومن الاختلاف، لكن يظل التطرق لمثل الحديث السالف واستمرار خوضه، تعبيراً صارخاً عن الفكر الهائم. إنه أمر جدير وأبدي ويعبر عن الإنسان بكل ما فيه، إنه الهوس بدفء الفكرة وأمانها البعيد..
إن هذا العالم نهض على الأغلب من أشياء تافهة وغير ملفتة وهذا ما يمنح الإغراء للبحث عن حياة نقية وأكثر نضارة.