وكان باها تعرّض لحادثة دهس مفاجئة بالقطار السريع بالقرب من مدينة بوزنيقة، بعيداً قرب المكان نفسه الذي شهد غرق النائب عن حزب الاتحاد الاشتراكي المعارض، أحمد الزايدي، في وادٍ ارتفع منسوب مياهه بسبب الأمطار.
ولا شك أن خبر مقتل باها بتلك الطريقة المفاجئة، بعد أن ترجّل من سيارته لتفقد المكان الذي شهد وفاة الزايدي، سيكون من أكثر الأخبار المفجعة في حياة بن كيران، فالرجلان لم يفترقا منذ التقيا في سبعينيات القرن الماضي داخل أحد مساجد الرباط.
ويصعب مشاهدة بن كيران من دون باها، ولا باها من دون بن كيران، إلا فيما ندر من لقاءات حزبية وحكومية. فالرجلان نسجا صداقة وطيدة، لا يُمكن تصور مدى عمقها، إلا لمن يعرف مسار الرجلين معاً، منذ انخراطهما في بدايات العمل الإسلامي والسياسي قبل 40 عاماً، إلى أن حملتهما رياح "الربيع العربي" إلى مناصب رسمية عليا.
وعُرف باها بأنه "العلبة السوداء" التي تحمل أسرار بن كيران، خصوصاً أن الرجل مشهود له بدماثة الأخلاق، وقلة الكلام، وإتقان فن الإنصات بشكل جعله "مقبولاً" من طرف المعارضة قبل الأغلبية في المشهد السياسي في البلاد، فضلاً عن حبه المكوث في الظل والابتعاد عن الأضواء.
واشتهر باها بأنه رجل التوازنات داخل حزب "العدالة والتنمية"، منذ كان في المعارضة على أنه بات يقود قاطرة الحكومة منذ 2011، ويحتكم إليه الفرقاء والمتخاصمون، معاً، ليدلي برأيه، الذي غالباً ما يكون حاسماً ومؤثراً، نظراً للتقدير الذي يحظى به.
ويحكي مقربون من باها، كيف أن الرجل يعتبر نقيضاً لبن كيران، فالأول هادئ والثاني مندفع ومتوتر، والأول يركن كثيراً إلى الصمت، بينما يميل الثاني إلى الحديث بصوت مرتفع، كما أن باها يفضل الابتعاد عن وسائل الإعلام، فيما بن كيران يحب أضواءها المبهرة.
ولكل هذه الخصال الشخصية التي رافقت الراحل باها، قيد حياته، دافع بن كيران كثيراً عن منحه منصب وزير دولة، رغم أن الدستور لا يشير إلى هذا المنصب، ما أثار الكثير من اللغط لدى تشكيل الحكومة، غير أن رئيس الحكومة أصر على أن يصاحبه رفيق دربه كوزير من دون حقيبة.
وبالنظر إلى مساره الطويل داخل الحركة الإسلامية في المغرب، بدءاً من جمعية "الجماعة الإسلامية"، وحركة "الإصلاح والتجديد"، ثم حركة "التوحيد والإصلاح"، التي تُعدّ الذراع الدعوية لحزب "العدالة والتنمية"، فإن باها راكم تجربة لا يستهان بها في تجربة الإسلام السياسي.
وكان باها وراء بعض المقترحات المهمة التي تضمنتها مذكرة الحزب الإسلامي المتعلقة بالدستور الجديد، والذي صادق عليه المغرب إبان مرحلة الحراك العربي، والذي تمثل في المغرب من خلال حركة 20 فبراير.
وُلد باها وسط أسرة أمازيغية (بربر) سنة 1954 في إقليم كلميم، وبدأ دراسته الابتدائية في مجموعة مدارس إفران، وحصل على شهادة الباكالوريا في العلوم الرياضية سنة 1975 بثانوية يوسف بن تاشفين بأكادير، وبعد ذلك تابع تكوينه العالي في معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، حصل بعدها على دبلوم مهندس تطبيق في التكنولوجيا الغذائية سنة 1979.
وشغل منصب مهندس باحث في المعهد الوطني للبحث الزراعي في الرباط سنة 1979، وكاتب عام لصندوق الأعمال الاجتماعية للبحث الزراعي، وعضو مكتب جمعية مهندسي البحث الزراعي سنة 1987، واشتغل أستاذاً في المعهد ذاته منذ تخرجه إلى غاية سنة 2002.
وشغل سنة 2007 منصب نائب رئيس مجلس النواب، ونائب الأمين العام لحزب "العدالة والتنمية" منذ سنة 2004 حتى وفاته، ورئيس فريق "العدالة والتنمية" في مجلس النواب بين 2003 و2006، ورئيس لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان في مجلس النواب بين 2002 و2003.