"لسنا مرتاحين في الغربة خصوصًا في السعودية، حيث تُمارس علينا حرب هنا كما تمارس على إخواننا حرب في اليمن من قبل طيران التحالف الذي لم يسلم منه يمنيون مدنيون، ولعل آخر مجزرة كانت أمس الأربعاء بصنعاء راح ضحيتها خمسون مدنيًا" هكذا قال لـ "جيل" محمد الشعيبي، المغترب اليمني في المملكة العربية السعودية منذ خمس سنوات، وهو يواجه اليوم، هو ومئات الآلاف من اليمنيين، بسبب القرارات السعودية الأخيرة، التي وصفها الرجل بـ "القاسية"، و"المجحفة"، في حق يمنيين لا حول لهم ولا قوة.
لم تقتصر مآسي الحرب التي تقودها السعودية في اليمن على الشعب اليمني الذي يعاني من ويلاتها لأكثر من عامين، تحت وطأة الحصار والجوع والمرض، بل طاولت المأساة المغتربين اليمنيين في المملكة.
قرارات حرب
أكثر من مليون مغترب يمني بطريقة نظامية ملزمون، بدءًا من يوليو/ تموز، بدفع رسوم شهرية إضافية استحدثتها الحكومة السعودية تحت مسمى "رسوم العمالة الوافدة".
وبحسب تصريحات وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، فإن على كل عامل وافد ومرافق في المملكة دفع 100 ريال سعودي شهريًا بدءًا من يوليو الماضي وحتى نهاية عام 2017. وتتضاعف الرسوم في سنة 2018 إلى 400 ريال شهريًا عن كل عامل وافد ومرافق، لترتفع في 2019 إلى 600 ريال شهريًا، و800 ريال شهريًا في العام 2020. وتعوّل الحكومة السعودية على تحصيل 65 مليار ريال سعودي من هذه الرسوم.
يُجمع كثير من المغتربين اليمنيين، في حديثهم مع "جيل" على أن الاغتراب في السعودية لم يعد مجديًا بعد تفاقم معاناتهم جراء الحرمان من حقوقهم، وتخفيض أجورهم، و"سعْوَدة" الكثير من الوظائف، وتعدّد الرسوم المفروضة عليهم.
شعيب أحمد (35 سنة) مغترب، يقول لـ "جيل": "تخيّل أن المغترب الذي لديه ستة أولاد وهو عامل عادي يتقاضى راتب 2500 ريال سعودي سيدفع للمملكة ألف ريال شهريًا كرسوم، بدون احتساب تكاليف تجديد الإقامة التي تدفع سنويًا وهذه كارثة خاصّة أن اليمنيين رواتبهم ضئيلة جدًا، فالشخص لديه أجور سكن وتأمين صحّي وهذا التامين الصحّي تضاعف مع القرارات الجديدة مرتين".
مجبرين غادروا المملكة
هذه القرارات، وبحسب المتحدّث، دفعت الآن الكثير من الأسر اليمنية إلى مغادرة المملكة مجبرة، خصوصًا الذين لديهم أطفال ورواتبهم لا تتحمّل الرسوم، حيث يقول "أعرف أسرًا كثيرة غادرت نهائيًا إلى اليمن، وبقي رب الأسرة يعمل حتى يأتي فرج آخر؛ فإما أن يلحق بأسرته إلى اليمن أو يبقى مضطرًا في حال استمرّت الحرب التي تقودها السعودية في الداخل على اليمنيين، والحرب في الخارج على المغتربين".
وبحسب مغتربين فضلوا عدم ذكر أسمائهم حرصًا على أمنهم، تأتي هذه الإجراءات والقرارات في ظلّ ضعف الأجور والحوافز المعنوية، والحرمان من الأجر أثناء الإجازة السنوية، وعدم الحصول على مكافأة نهاية الخدمة، وعدم وجود يوم راحة أسبوعي، والتعرّض للتعسّف من قبل بعض الكفلاء، وعدم وجود عقد عمل رسمي يحدّد علاقة العامل بالعمل، وغياب اللوائح التنظيمية الموضّحة لحقوق العامل وواجباته.
وتفيد المعلومات الواردة من السعودية، بأن المغترب اليمني يقوم بتسديد رسوم تجديد رخصة العمل بـ 2500 ريال سعودي سنويًا، ويدفع 650 ريالًا رسوم تجديد إقامة لـ 12 شهرًا. وعند نقل الكفالة، يتوجّب على كل مغترب دفع ما بين 10 و20 ألف ريال سعودي للكفيل، إلى جانب تكلفة التأمين الطبّي، التي تتوزّع إلى ثلاث فئات بالنسبة للموظف وعائلة من زوجة وثلاثة أبناء؛ فهناك "الفئة الذهبية" التي تكلّف 12170 ريالًا سعوديًا سنويًا، وفئة ثانية تكلّف 6750 ريالًا، وفئة ثالثة بـ 3500 ريال.
"سعودة" العمل
تتوالى الإجراءات السعودية بشكل لافت على المغتربين وبكافة أطيافهم وأشكالهم وجنسياتهم، ويوما بعد آخر يصدم اليمنيون في المملكة بقرارات جديدة. مطلع الشهر الجاري، قرّرت السعودية التخلّص من العمالة الأجنبية في قطاعات جديدة بالمملكة العربية السعودية، بغرض توفير فرص عمل للسعوديين، الذين ارتفعت أصواتهم مؤخرًا بسبب استمرار ارتفاع نسبة البطالة في بلادهم.
وكيل إمارة منطقة مكّة المكرمة المساعد للشؤون التنموية، عبد الله آل طاوي، ذكر في تصريحات صحافية، أن الجهات المختصّة في السعودية قررت تطبيق أنظمة التوطين "السعودة" على أكثر من 12 قطاعًا وظيفيًا، بينها السياحة والفنادق. وحول أسباب التركيز على قطاعي السياحة والفنادق، ذكر أنها تُمثل ثقلًا كبيرًا، خاصّة في العاصمة المقدّسة.
وقبل أيّام أقرّت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في المملكة، قصر العمل في قطاع استخراج التأشيرات السياحية على السعوديين فقط، فيما صدر في وقت سابق إقرار قطاعات اقتصادية في أسواق التجزئة السعودية كالاتصالات والتأمين، بتوطين العمالة في البلاد. وتثير "أنظمة التوطين" جدلًا كبيرًا في المملكة العربية السعودية، بين أبناء البلاد ذاتها، والعاملين فيها من مختلف الجنسيات.
الاستثناء الذي يفترض
ويعتبر المواطن اليمني من أكثر الذين تضرّروا جرّاء صدور تلك القرارات، بسبب الحرب التي تشهدها البلاد منذ أكثر من عامين ونصف العام، والتي تأثّرت فيها سلبًا في مختلِف مناحي الحياة، خاصّة في المحافظات التي تشهد حربًا حتى اليوم. حسب تعبير مغتربين.
ويرى بعض المتابعين أن من واجب السعودية أخلاقيًا أن تستثني اليمنيين من مثل تلك القرارات، نظرًا لأن البلاد في حرب مصيرية مرتبطة بأمن واستقرار المملكة التي ترتبط بحدود بريّة مع اليمن يبلغ طولها 1470 كيلومترا.
ملاحقات أمنية
هناك يمنيون دخلوا إلى السعودية بطرق غير رسمية، ربما بسبب الظروف المعيشية الصعبة التي وصلت ببعضهم حدّ الموت جوعًا، وقرّروا العبور عن طريق الحدود اليمنية السعودية مخاطرين بأرواحهم عبر الصحراء؛ الصحراء التي أحيانًا ما تكون مسرحًا لموت الكثيرين إما عن طريق قوات الأمن السعودية الحدودية أو عن طريق عصابات التهريب التي لا تعير حياة أحد ممن تقوم بتهريبهم أيّ اهتمام، هؤلاء شريحة أخرى من اليمنيين الذين لا حول لهم ولا قوة، يتعرّضون للملاحقات والضرب والسجن والترحيل بدون رحمة.
يقول غالب أحمد، مغترب في السعودية في حديثه لـ "جيل": "بشكل مستمرّ تقوم السعودية بإنزال حملات تفتيش من مكتب العمل السعودي، إلى أماكن العمل من مؤسسات وأسواق ومنازل وغيرها وبشكل يومي ربمًا نرى يمنيين شبابا يقومون بالفرار في الشوارع وفي الطرقات الضيقة والممرّات، والسبب أن هؤلاء ربما دخلوا بطريقة غير رسمية، لكن ما يبعث الألم فعلًا هو كيف أن اليمني صار مواطنًا معذبًا وملاحقًا تحت ذريعة البحث عن لقمة عيش صارت صعبة عليه في الداخل وفي الخارج".
ويضيف الرجل: "كم هو الموقف مؤلم وأنت ترى رجل الأمن السعودي يطارد عاملًا يمنيًا، وعند القبض عليه يمارس في حقه الإهانة والضرب، وهناك عشرات الآلاف من اليمنيين تتم مطاردتهم وملاحقتهم وإخضاعهم للسجن والترحيل بعد ممارسة إجراءات قاسية لا تحترم حقوق الإنسان".