لا تزال عبارة "السادة والعبيد" تتردد في اليمن. في مناطق شمال الشمال القبلي، يتم استعباد آلاف من البشر من فئة المهمشين أو من يعرفون شعبياً بـ "الأخدام". وهؤلاء، مواطنون يمنيون، ولكنهم يتمايزون ببشرتهم السمراء. ويؤكد رئيس اتحاد المهمشين اليمنيين نعمان الحذيفي أنه هناك حالات عبودية في محافظتي الحديدة وحجة. ويكشف أنه تم رصد حالات بيع وشراء لـ 12 ألف يمني من فئة المهمشين. وقد كشف الباحث اليمني عمر العمقي، عبر سلسلة من التحقيقات الاستقصائية، عن وجود ما يزيد عن 500 حالة رق وعبودية مؤكدة في المناطق الشمالية الغربية لليمن.
بيع وشراء وصكوك
ويوضح العمقي لـ "العربي الجديد" أن هناك مشايخ قبليون ونافذون في محافظتي حجة والحديدة شمال غرب البلاد، يستعبدون الافراد من فئة المهمشين من خلال عمليات بيع و شراء بموجب صكوك ملكية، تنتقل من شخص الى آخر.
وقد اعترفت الحكومة اليمنية بوجود حالات من الرق والعبودية في هاتين المحافظتين. لا بل أوضح تقرير أصدرته وزارة حقوق الانسان في اليمن، أنه هناك ثلاث فئات للعبيد: الأولى فئة المهمشين، وهم الذين يعاملون بدونية وينتشرون في مختلف مناطق محافظة الحديدة، ويعملون في المنازل والتسوّل.
والفئة الثانية، تسمى فئة العبيد (أشباه عبيد)، وهم الذين تم تحريرهم بعد الثورة اليمنية في 1962 ولكنهم لا يزالون أشباه عبيد للمشايخ والمتنفذين وأسيادهم السابقين، ويعملون لديهم بالسخرة، (يتم تأمين الأكل، والشرب، دون مقابل مادي).
الفئة الثالثة وهي الأبرز، وتضم العبيد بصورة سرية (الرق)، وهذه الفئة موجودة ولكن بصورة سرية للغاية، ويتم بيع ضحاياها من قبل "الأسياد"، ويتم "التصرف" بهم وفق مشيئة "المالك".
حرمان من كل شيء
وفي التفاصيل، يوجد في اليمن حوالي 2.5 مليون نسمة من فئة المهمشين. فئة تجمع بشرا محرومين من الوظيفة العامة ويعملون في نظافة الشوارع وجمع النفايات وتنظيف المراحيض والسيارات، وفي المهن التي يعتبرها المجتمع اليمني دونية، فيما تمتهن نساؤهم وأطفالهم التسول. وهذه الفئة، تتعرض لأسوأ أنواع العنصرية التي تصل الى الاعتداءات الجسدية المتكررة.
وعقب ثورة 11 فبراير 2011 ضد نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح، أسس المهمشون جمعيات مدنية للمطالبة بحقوقهم وباشراكهم في الحياة الاقتصادية وتمكينهم من الوظيفة العامة. وكذلك، نفذ عمال النظافة من فئة المهمشين إضراباً عن العمل امتد لأسابيع. وغرقت خلال هذه الفترة العاصمة اليمنية والمدن بالقمامة.
ويوضح ممثل فئة المهمشين في مؤتمر الحوار الوطني اليمني نعمان الحذيفي أن 70% من أفراد هذه الفئة تقتات من التسول و30% هم فقط العاملون في قطاع النظافة وجمع المواد البلاستيكية وأعمال الحصاد والحمالة وغيرها...
ويقول الحذيفي لـ"العربي الجديد" : "لا يتمكن أطفالنا من الالتحاق بالتعليم بسبب النظرة الدونية، بالإمكان أن نتحول الى قوة اقتصادية فاعلة ومؤثرة في التنمية، لكن للأسف لا نجد الحكومة سوى في حاجتها لتنظيف الشوارع، ولا نجد الأحزاب سوى في مواسم الانتخابات".
ويفسر الحذيفي هذه المعارضة لحقوق المهمشين بسخرية قائلاً: "هناك نظرية عنصرية وفق مفهموم معمول به كثيراً داخل المجتمع اليمني، وهي أن ابن الشيخ شيخ، وابن العامل عامل، وابن الخادم خادم. وربما يتخوف المعترضون على منح المهمشين حقوقهم، على مستقبل النظافة، فمن ينظف شوارع اليمن في حال التحق ابناء فئتنا بالتعليم وحصلوا على حقوقهم في الوظيفة العامة؟".
وبدأت مؤسسات دولية في تبني قضايا المهمشين. حيث دعم البنك الدولي اقامة مدينة سكنية للمهمشين في مدينة تعز. وتم نقل حوالي 200 أسرة من بيوت الصفيح التي يعيشون فيها الى سكن حديث. فيما أنشئت منظمة "ديا" الفرنسية مدينة "الأمل" للمهمشين في مدينة تعز أيضاً.