أجمل الأمهات.. الفلسطينيات والعربيات
كتب الشاعر اللبناني حسن العبد الله أغنية غنّاها المغني اللبناني مارسيل خليفة، تحت عنوان "أجمل الأمهات.. التي انتظرت ابنها"، إذ أدرك الشاعر حجم الحزن والألم الذي تعانيه الأم عند فقدان ابنها.
لتربية البيت دور أساسي في تطوير الواقع الاجتماعي، كما أنّ الأسرة تحقّق الاستقرار، وتنمّي شخصية الفرد ليتمكن من تطوير معارفه، وأهداف مجتمعه. وللمرأة الدور الأكبر في تنشئة وتوجيه الأبناء.
وأجمل عروس هي عروسة يافا، دلال المغربي، التي ترأست مجموعة فدائية اسمها "دير ياسين" لتنفيذ عملية داخل الأراضي المحتلة. تمّ اختيارها مع مجموعة من الفدائيين لتنفيذ العملية، وفعلاً نُفذت العملية، حيث سيطرت دلال المغربي على حافلة إسرائيلية، وبدأت عملية المطاردة والمفاوضات. وخاطبت المختطفين بمطالبها المتمثلة بتحرير الأسرى، وغنّت "هذي بلادي بلادي لك حبي وفؤادي"، ورفعت العلم الفلسطيني، وعمّت حالة الذعر داخل دولة الكيان الصهيوني، فعيّنت إيهود باراك (أصبح لاحقاً رئيس وزراء إسرائيل) قائداً للعملية. وانتهت العملية باستشهاد الفدائيين عدا فدائياً، ومقتل عدد كبير من الإسرائيليين، وأقدم إيهود باراك على ركل الشهيدة دلال بقدمه.
تركت دلال وصية مكتوبة بخط يدها "أيها الأخوة حملة البنادق لنبدأ بتجميد التناقضات الثانوية وتصعيد التناقض الرئيسي ضد العدو الصهيوني وتوجيه البنادق نحو العدو الصهيوني، واستقلالية القرار الفلسطيني".
أجمل الأمهات التي تنتظر الإفراج عن ابنها الأسير، فعاد شهيداً حرّاً عند ربّه يرزق
قال عنها الشاعر نزار قباني: "إنّ دلال أقامت الجمهورية الفلسطينية ورفعت العلم الفلسطيني، ليس المهم كم عمر هذه الجمهورية، المهمّ أن العلم الفلسطيني ارتفع في عمق الأراضي المحتلة". أزعجت دلال إسرائيل بذكراها السنوية، لذا قدّمت إسرائيل شكوى للأمم المتحدة لمنع الاحتفال بهذه الذكرى عام 2016.
وأجمل المقدسيات هي مراسلة قناة "الجزيرة" شيرين أبو عاقلة، التي ترتدي سترة زرقاء، وتمسك بيدها الميكرفون، والكاميرا ترافقها وتتحرّك معها من مكان لآخر لتنقل الأحداث في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وللحديث نكهة خاصة عن شيرين، حيث المهنية في تغطية الحدث.
قالت شيرين أبو عاقلة عن مسيرتها: "اخترت الصحافة كي أكون قريبة من الإنسان، ليس سهلاً ربما أن أغيّر الواقع لكنني على الأقل كنت قادرة على إيصال ذلك الصوت إلى العالم.. أنا شيرين أبو عاقلة".
لقد أصابتها رصاصة قناصة العدوّ في الرأس، وتحوّل جسدها إلى عَقْد اجتماعي فلسطيني جديد لمشاركة الفلسطينيين بحملها ورفع العلم الفلسطيني، والتنقل في شوارع فلسطين، كما أنّ جنازتها فضحت عنصرية ووحشية الاحتلال.
أجمل الأمهات التي تنتظر الإفراج عن ابنها الأسير، فعاد شهيداً حرّاً عند ربّه يرزق.
أجمل الأمهات هنّ في سورية، يتشحن بالسواد والحزن المكلّل، يصنعن القلائد وعليها صور أبنائهن بدلاً من الحليّ للزينة ومنصات التتويج، وأخرى ظلّت تبكي حتى فقدت البصر أملاً في أن تلقاه في عماها. وأمّ تزور القبر يومياً حافية القدمين لتضع الآس والزهور ورائحة البخور، وأخرى هي أمي التي استشهد ابنها في الصباح إثر العدوان الإسرائيلي عام 2018، ألقاها وعيناها غارقتان في الدموع، تبتسم لي وأنا أردّد شعر محمود درويش "وأعشق عمري لأني إذا مت أخجل من دمع أمي".
أجمل النساء هنّ اللواتي استشهدن وتحوّلت ذكراهن وجنازتهن إلى شوكة في حلق الاحتلال، وكذلك اللواتي ضحّين في سبيل أبنائهن
وأمّ فقدت ابنتها في حفرة الصرف الصحي، والصرف الصحي ممنوع من الصرف، وأمّ ترافق ابنها المريض إلى مدرسته، تمسكه بيدها اليمنى وتحمل بيدها الأخرى قارورة من المازوت وتنتظره.
في رواية فتيان الزنك، للكاتبة والصحافية البيلاروسية سفيتلانا أليكسييفيتش، تروي فترة دخول القوات السوفييتية إلى أفغانستان، حيث في ثمانينيات القرن الماضي عاد أحد الجنود السوفييت بلا أطراف، وكانت الأم تضحي بكلّ شيء، حتى جسدها، لإبقاء ابنها على قيد الحياة.
وأجمل الأمهات أيضاً هنّ أمهات لاعبي المنتخب المغربي، يرافقن أولادهن إلى مونديال قطر 2022 ليشجعن ويرقصن مع أبنائهن، ويكرمهن المغرب لدورهن في تماسك الأسرة ورفع رايات الوطن.
وللموت نوعان: الأول طبيعي كما قلت عن أنسي الحاج "الموت ضجر الطبيعة"، والثاني بشري من صنع البشر، بسبب المصالح والفساد والسلطة والمال...
وأجمل النساء هنّ اللواتي استشهدن وتحوّلت ذكراهن وجنازتهن إلى شوكة في حلق الاحتلال، وكذلك اللواتي ضحّين في سبيل أبنائهن.