"العنف والمرأة"... أمي لا تحب يوم المرأة العالمي (6)
سابقاً، لم يكن هناك يوم عالميٌّ للمرأة، وكان تسليط الضوء على قضاياها غير مرتبطٍ بيوم ينطلق منه النداء لنصرتها ودعم إنجازاتها. لكنّ مشكلاتها موجودة منذ القدم، وتكبر في كلّ يوم أكثر رغم التطوّر كلّه الذي وصلت إليه الدول.
اليوم، ما زال يوم المرأة العالمي مهمّشاً وثانوياً في رقع جغرافية كثيرة، وكثير ممن يذكرونه، يذكرونه من باب ادّعاء التحضّر والتظاهر بنصرتهم للمرأة، وإن كان لآخرين أسباب أخرى. فكثيرون يترجمون هذا اليوم بمنشور على صفحة "فيسبوك" حول احترامهم حقوق المرأة وتحرّرها أو للتأكيد على أهمية هذا اليوم، ثم يذيّلون المنشور ببعض الكومنتات التي تدعم نظرتهم التحرّرية تجاه المرأة، وبعدها يغلقون البروفايل وينتهي كلّ شيء حتى العام التالي.
بعد ذلك، ينطلقون إلى الشارع لممارسة حياتهم اليومية، فيزاحمون المرأة على ركوب الحافلة، أو على دور شراء الخبز، أو توقيع ورقة في دائرة حكومية ما أو يتنمرون عليها أو يتشاجرون معها... معتبرين أنّ المرأة التي يقصدونها مغايرة لهذه، ودعم المرأة لا يعني لديهم بالضرورة التنازل لها عن أمور الحياة اليومية، أو وضعها في المرتبة الأولى في موقف ما، أو السماح لها بتجاوز حدودها معهم في الكلام، هم يدعمونها بشرط ألا تكون منافسة للرجل في شيء، وألا يتسبّب هذا الدعم بإزعاجٍ له.
حين سألتُ نساء كثيرات عن رأيهم في هذا اليوم، كانت معظم الردود ضمن إطار: "شو هاليوم اللي ما إلو معنى"، "يلغوه ما في فائدة منو"، "بالله مين عم ياخد فيه"، "روحي شوفي النسوان شو صاير فيها ورا الحيطان"، "هاليوم مانو حلّ لمشكلات المرأة"، "يا ريت لو الناس تاخدوا بجدية أكتر من هيك"، "شو ما عملوا ما رح يقدروا يحموا المرأة بشكل كافي"...
حين لا نجد في بلد ما نتائجَ ملموسةً وحقيقيةً تعتبر حلاً جيداً لمشكلات نساء كثيرات، فإننا لن نعير هذا اليوم أهمية كافية، ولن تجد النساء فائدةً منه إن لم يكن هناك تغيير واقعيٌّ لمشكلاتهنّ، وبالتالي لن يعترفن به ولن يذكرْنَه أصلاً.
البعض يدعم المرأة بشرط ألا تكون منافسة للرجل في شيء، وألا يتسبّب هذا الدعم بإزعاجٍ له
حين سألت أمي عن هذا اليوم إن كان يعني لها شيئا، أجابت:
من الناحية النظرية، هو يوم هامٌ ويحمل أهدافاً جميلة، ولكن واقعنا يقول إنه يوم كبقية الأيام لا يُقدّم أمراً ولا يؤخّره، لذا لا يهمني في المُجمل؛ فأنا لا أذكر مرةً أنني نلتُ رعايةً خاصة في هذا اليوم لأنني امرأة. وفي الماضي، لم تنفعني أي فكرة لنصرة المرأة يوم احتجْتُ إلى مؤيّدين لحقوقي كي يقفوا إلى جانبي حين بدأت أصرّح برغباتي وأعلن رفضي قرارات غيري. فمثلاً، في بداية شبابي كنتُ أهوى العلم لدرجة القداسة، لكن تجربة الزواج سحبتني وحرمتني منه، هذه التجربة التي تمنيت كثيراً أن أؤخرها، وأعلنت رفضي ترك دراستي من أجلها، لكن ضغوط المحيط كانت أقوى.
مرّت السنون وصرتُ أماً لعدّة أطفال، ومن ثمّ جدةً لأحفاد، وما زالت فكرة الدراسة تطوف في فكري وأتحسّر عليها، وتراودني، لولا خوفي من الفشل بعد كلّ هذا العمر؛ فالذاكرة لم تعد مرنةً للحفظ والتذكّر.
كم كنتُ بحاجةٍ حينها لصاحبِ موقفٍ حازم يقف معي وينصرني؛ أنا الأنثى الضعيفة! فقناعة الآخرين بحقي في أمر ما لن تكفي إن لم يمنحوني هذا الحقّ!
لذا أخبريني بماذا نفعني يوم المرأة هذا إن كان مضروباً به عرْض الحائط، ولا أحدَ يأخذ به وبالأهداف التي وُضِعَتْ له يوم حدّدوه للاحتفال به؟ ربما من الأجدر أن يحدّدوا يوم المرأة العالمي بعد أن يمنحوها حقوقها وينصروها وليس قبل ذلك. فإقرار يومٍ كهذا يجعلنا نتذكر حقوقنا المقيّدة التي لا نحصل عليها، وعدم مساواتنا مع الرجل، أتعلمين؟ إنه يوم مؤلم ولا يدعو للفرح حقيقةً!
بالتأكيد، إنّ من يريد منحَ المرأة حقوقها لن ينتظر وجودَ يوم كهذا، لكن الاحتفال به قد يذكّر كثيرين بأنّ المرأة كائنٌ هامٌ في المجتمع، له حقوق ويمكنه تحقيق إنجازات مميزة، وهي ورقةٌ رابحة في لعبة الحياة.