الطبلية وشعبان والحداثة
ظهر المرحوم الفنان شعبان عبد الرحيم أمام الجمهور ومهد لأغنيته الجديدة واصفاً إياها بالأغنية السيمفونية واللحن الجديد على حد تعبيره، وما إن ابتدأت الفرقة الغنائية في العزف حتى انطلق في نفس اللحن المكرر في كل مرة "اييييييييه" وكأن شيئاً لم يكن.
يعرض الفنان قضية شائكة وهي الأصالة والتمسك بالقيم ومحاربة مادية الحداثة الجافة متمثلة في رمزية الكراسي، فبعد "الترالالالا" و"التراريلالالا" يستهل أغنيته بـ"مبحبش الكراسي"، وقد يكون ذلك إسقاطا سياسيا ذكيا منه تجاه أصحاب المناصب والنفوذ وهو الذي طالما تعودنا منه في أغانيه على إسقاطاته السياسية الجريئة، يستكمل الفنان قصته مع منتجات الحداثة متمثلة في الكراسي والمكاتب والعودة للأصالة متمثلة في "المساند" و"الشلت" في إشارة لما يعرف بالقعدة العربي، فينتهي به المطاف لسؤاله الاستنكاري "القعدة العربي مالها ولا احنا خلاص نسينا؟! اللمة عالطبلية والشاي فالخمسينة!!"..
كثير من المنتجات المحلية تندثر لمجرد أن الرجل الأبيض لم يتفتق ذهنه إليها بعد أذكر منها الآن "الطبلية" و"الشطافة"
استرجعت معي الأغنية ذكرياتي كفلاح في بلاد البندر في السنة الأولى لي في دراسة العمارة، كان مشروعي الأول وحدة سكنية، وأثار استغرابي عند معرفة برنامج الفراغات السكنية المطلوبة فراغ لم أعهد به من قبل اسمه الـ"dinning room" وقد علمت أن هذا الفراغ مخصص فقط لطقس تناول الطعام! يجب أن يتوافر في الوحدة السكنية وقد يدمج مع المطبخ أو غرفة المعيشة أو يصبح فراغاً منفصلاً بذاته! مكونات هذا الفراغ تكون منضدة طعام وكراسي بعدد الأفراد، ما يثير الاستغراب في المسألة أن هذا الفراغ وما حواه من مفروشات وما شغله من حيز المنزل يمكن اختصاره في أداة يدوية الصنع تسمى الطبلية!
حالياً تكثر الدعاية للمفروشات الذكية لما توفره من مميزات مثل سهولة الاستخدام وتوفير المساحة والاستخدام العملي وكل ذلك يتوفر في تلك الأداة!!
والطبلية أكثر حداثة إذا نظرنا إلى مقولة واحد من أشهر رواد الحداثة في العمارة "ميس فان دروه": "الأقل هو الأكثر" الذي لطالما اعتمد هو وأبناء مدرسته على الوظيفية والعملية، فقد توضع الطبلية في غرفة المعيشة لنقضي عليها الحاجة ثم يتم رفعها.
كثير من المنتجات المحلية تندثر لمجرد أن الرجل الأبيض لم يتفتق ذهنه إليها بعد، أذكر منها الآن "الطبلية" و"الشطافة"، لا عليك عزيزي القارئ لن أتطرق هنا لعملية ووظيفية الشطافة كمنتج ذكي وإن كانت لا تخفى عليك، ربما يتوصل الرجل الأبيض لاختراع يشبه الطبلية ويمكن نراها في المستقبل يتم استخدامها من أبناء الطبقات العليا كموضة وتحت مسمى جديد، وعلى غرار "الغرين برغر" و"الغرين سوب" ربما نجدها تحت مسمى الـ"ميني تابل" تغزو الأسواق من جديد.