جدار أبيس
الدولة على شفا الانهيار، حكام الأقاليم في حالة من الصراع الدائم، والفرعون الجديد لم يتجاوز سن الرشد بعد مما جعل وصاية العرش تؤول إلى كبير الكهنة الذي لم يكن بعيداً هو الآخر عن صراعات القصر..
الخطاب القومي واليميني زادت حدته في الأقاليم المختلفة، وفي الشمال في الإقليم الشمالي، تقلدت الأمور حكومة انفصالية جديدة بدأت في تطبيق سياساتها الداعية للعزلة التامة عن الأقاليم الزراعية الداخلية، وأقامت جدارا عازلا في منطقة أبيس وعلى تخوم كفر الدوار لحماية مدينة الرب من الهجرة الموسمية لسكان الأقاليم الأخرى للشمال في فصل الصيف.
زادت حدة الأمر عندما قررت أقاليم وجه قبلي وبحري الزراعية منع تصدير قصب السكر والبطيخ إلى الشمال وانقسمت الدولة، وتوقفت حركة التجارة الداخلية..
تطور الأمر أكثر لحالة من الغضب الشعبي، الحشود على الجدار يمنة ويسرة، هؤلاء يريدون تحرير شاطئ "أبو هيف" وهؤلاء لتحرير البطيخ..
الحكومة في الشمال جرمت تهريب البطيخ واستيراده هي الأخرى وجعلت البطيخ رمزاً من رموز الفلح والفلاحين، واعتبرت أن من يتحفظ عليه في منزله فسيقدم للمحاكمة بتهمة الخيانة لقومية الإقليم السامي، وأصبحت قطع البطيخ البارد تباع في الحارات المظلمة والجانبية كأي ممنوعات أخرى وكثفت الحكومة الدوريات الليلية في جميع أنحاء الإقليم ولا سيما منطقة الحضرة القبلية التي تفشت التقارير لدى الأجهزة الأمنية وكشفت عن العديد من أوكار تجار البطيخ بها أو ما يطلق عليهم الآن "ديلرز البطيخ"..
خبراء التغذية يومياً في الساحات بتوجيه من سلطة الإقليم يلقون الخطب عن خطورة إدمان البطيخ وتأثيره السلبي على الجسد وتدميره للصحة وتسببه للوفاة، والكهنة يصدرون الفتاوي اليومية لتحريمه وقد أدخلوا تحريمه ضمن الوصايا المقدسة في الدين، لا تقتل، لا تزنِ، لا تسرق، لا تأكل رباً، لا تأكل بطيخاً، لا تصافح فلاحاً..
الأسلاك الشائكة على أعتاب جدار أبيس تتصيد المهاجرين غير الشرعيين يومياً وتفسد عواماتهم الكاوتش التي جلبوها معهم لقضاء عطلة صيفية على البوريفاج وشواطئ 45، وكذلك تتصيد مهربي البطيخ على الجانب الآخر.
تطور الأمر أكثر لحالة من الغضب الشعبي، الحشود على الجدار يمنة ويسرة، هؤلاء يريدون تحرير شاطئ "أبو هيف" وهؤلاء لتحرير البطيخ..
تحت وطأة الضغط الشعبي والتدهور في الحالة الاقتصادية، وتدخل الفرعون لحل الأزمة بوصية من كبير الكهنة صاحب الأسهم في سلسلة الكافيهات والمحلات والمشاريع الاستثمارية على شواطئ البحر المتوسط في البلاد، إضافة لكونه صاحب شركة شحن وتصدير داخلية للبطيخ وقد توقفت وتضررت نسبة كبيرة من استثماراته منذ بداية الأزمة، رضخت حكومة الإقليم الشمالي للضغوط نظير امتيازات اقتصادية تحصل عليها لاحقاً، وتحت شعار "المصيف نظير البطيخ" تمت المصالحة وانطلقت معاول الهدم البنّاء لإزالة الجدار تحت توجيهات السيد الفرعون، وانطلقت بعثات التنوير من الأرياف ليحدثنا من عاد منها بنبرة الانبهار كيف أنه رأى حيث رأى فلحنة بلا فلاحين..