النساء السوريات وتدابير رمضان
سلوى زكزك
تحمل سوسن بضع أوراق مطبوعة لتستخدم وجهها الخلفي الفارغ سجلا خاصا بها، قسمت الصفحة إلى قسمين وكتبت في أعلى القسم الأول عبارة الإفطار وفي أعلى القسم الثاني عبارة السحور! كان عليها ترتيب أسماء ومكونات وجبات وبالأحرى نفقات أيام شهر رمضان القادم بعناية فائقة وحذر شديد، لم يعد التدبير والتخطيط لإشباع عائلة كاملة نزهة في الخيال الخصب القابل للتطبيق، ولم تعد الخيارات وفيرة أو حتى ممكنة.
سوسن ليست السيدة الوحيدة التي يعتريها قلق بالغ حيال ضرورة تدبير مؤنة شهر رمضان في ظل شح عام بالموارد، لكنها لم تترك التدابير لقاعدة كل يوم بيومه، أو للصدفة، اعتادت دوما أن ترتب كل التفاصيل كي تشعر بالراحة، وكي تطرد القلق المتنامي بسبب سوء الأحوال المعيشية المتصاعد وبشدة.
في حي معروف، وفي سوق شعبي مرتجل على عجل صمم خصيصاً للبيع في شهر رمضان بغية تمكين الزبائن من التوفير عبر الشراء بكلفة اقتصادية قليلة، إضافة إلى دعايات لم يتأكد أحد من صحتها بأن غالبية المتسوقين سيتمكنون من تحقيق تنوع أو توازن غذائي بصورة أفضل من الاعتماد على الباعة الثابتين، والذين لا يفكرون في كسر أسعارهم أبداً ولو في الحدود الدنيا، كانت سميرة وجارتها، تقلبان البضاعة المعروضة، عبرت السيدتان بأنه لا يوجد أي شيء يغريهما بالشراء حتى الآن، من ناحية الموجودات ومن ناحية الأسعار أيضاً، لكن وفي نهاية جولة التسوق القصيرة قامتا بشراء عدد من عبوات المنظفات الشعبية جداً وغير المختبرة سابقاً. لكن السعر الرخيص مقارنة بالأسواق شكل إغراء قويا لهما، وخرجتا وبأيديهما عدة عبوات بلاستيكية كبيرة وثقيلة، لكن النتائج مجهولة وقد تكون مليئة بالخيبة، خاصة أن الدافع الوحيد وراء التسوق هو السعر الأرخص فقط.
يتحول شهر رمضان إلى شهر ضاغط وخاصة على النساء، ينشغلن به قبل قدومه وربما بعد انتهائه، والانشغال هنا ليس مجرد انشغال جسدي بل ذهني يستهلك الأعصاب
يتحول شهر رمضان إلى شهر ضاغط وخاصة على النساء، ينشغلن به قبل قدومه وربما بعد انتهائه، والانشغال هنا ليس مجرد انشغال جسدي بل ذهني يستهلك الأعصاب ومحتويات الجيوب وطاقة الأجساد أيضاً.
رتبت رائدة مع شقيقاتها الثلاث تقليداً جديداً سيقمن به خلال شهر رمضان لهذا العام، ستستضيف كل أخت والديها لمدة عشرة أيام كي يتمكنّ ثلاثتهن من تغطية الاحتياجات الغذائية لوالديهن، خاصة أن الأم باتت عاجزة عن القيام بمهام الطبخ وتحضير الوجبات وصحة الأب باتت تمنعه حتى من شراء الخبز والحاجات المنزلية الأساسية.
أما سلافة وشقيقها، فقد قررا تقاسم أيام الشهر وقضاءها في منزل والدتهما الوحيدة، والتي ترفض بشدة مغادرة منزلها ولو لتناول وجبة الإفطار ولو لمرة واحدة.
ثمة تضامن عفوي وإجرائي ويمكن وصفه بالإبداعي، تفرضه الظروف الاقتصادية بالغة الصعوبة، تضامن بين الجيران وخاصة في شهر رمضان وخاصة بين العائلات التي تقطن قريباً من سوق الخضار المركزي الكبير، والأسعار فيه قد تصل إلى ثلث أو ربع القيمة الرائجة في المحال التجارية أو الدكاكين، تجتمع النساء ويتداركن الكلفة الباهظة للبيع بالمفرق بشراء موادهن الغذائية بالجملة في أكياس أو عبوات كبيرة ليتقاسمنها لاحقا كل منهن حسب حاجتها. واللافت هو التحضيرات المسبقة لشهر رمضان تحسباً لارتفاع الأسعار خلاله بصورة كبيرة، وتوفيرا في الجهد خاصة أن الصيام وفي أيامه الأولى يستنزف طاقة النساء كلها، ويجعلهن متعبات وغير قادرات على إتمام عملية التسوق وإعداد الوجبات في وقت واحد معاً.
عدا عن أن الدعوات العائلية رغم تراجعها كظاهرة بصورة كبيرة، لكنها ومهما قلّ عددها تستهلك موارد كبيرة وجهودا أكبر من النساء وحدهن لغياب قاعدة تقاسم الأعباء المنزلية، وربطها بشكل أساس بالنساء مهما كانت أوضاعهن الصحية أو النفسية ومهما قضين خارج المنزل في وظائفهن أو أعمالهن الخاصة.