النساء والأطفال رهائن الحروب
أثناء متابعة أخبار الحروب والكوارث يتبادر إلى أذهان الجميع سؤال سريع، لماذا يتم ذكر أرقام الضحايا من النساء والأطفال بصورة منفصلة عن الرقم العام للضحايا؟ ولماذا يتم التركيز على هذه الأرقام وكأنها تحتاج تدابير خاصة وملحة ونوعية؟
لطالما كانت النساء والأطفال الفئة الأكثر هشاشة في الواقع الحياتي إجمالاً، ولكن بنفس الوقت، ونظراً لحالة الهشاشة التي يعانون منها يتم استهدافهم بشكل خاص، عسكرياً وقيمياً ومجتمعياً لدرجة أنهم يتحولون إلى أهداف مباشرة! فما السبب؟
للنساء رمزية قيمية خاصة داخل الأسرة، إنهن يحملن شرف العائلة، أو أن شرف الرجال مرتبط بسلامتهن من أذى الاعتقال والارتهان والاغتصاب والاسترقاق والاتجار بهن والبيع في أسواق النخاسة. لذلك يتم اعتبار عمليات أخذ النساء كرهائن أو استعمالهن مع الأطفال كدروع بشرية جزءا من العمليات العسكرية بالغة الخطورة والمرفوضة إنسانياً وحقوقياً ودولياً.
كما يتم التعامل مع خطف النساء أو اغتصابهن كسلاح حرب يتم عبره كسر إرادة المقاتلين الكبار، كما أن خطف الأطفال أو قنصهم بالتحديد يعتبر كسراً لإرادة وقلوب المتحاربين وثغرة يتم استغلالها لضرب قوة الخصوم والتحكم بهم.
لا تشن النساء الحروب ولا يبادرن إلى إعلانها، لكنهن قد يشاركن فيها، مرغمات أو بإرادتهن، وقد شكلت بعض تجارب النزاع حضوراً للنساء كمقاتلات ومحاربات، وهنا تتعرض النساء حتى المقاتلات لأشكال إضافية تشكل مستويات عالية من العنف حتى أثناء القتال، كالاغتصاب من زملاء السلاح والزج بهن في مواجهات خطرة، عدا عن فصلهن طويلا عن عوائلهن ومعاقبتهن عقوبات خاصة مثل قص الشعر أو تشويه الوجوه والأعضاء التناسلية وقطع الأثداء.
لذلك يبدو التركيز على أعداد الضحايا من النساء والأطفال رسالة مهمة وذات هدفين، الهدف الأول يتقصد لجم شراسة الحرب والدعوة إلى إلزام المتحاربين بضرورة مراعاة وحفظ حيوات النساء والأطفال مهما كانت صلتهم بالمتقاتلين أنفسهم، أما الهدف الثاني فهو للحض والتأكيد على ضرورة الالتزام بالمواثيق والمعاهدات الدولية التي تعتبر من أولوياتها حماية الأفراد العزل من ذوي الظروف الأكثر هشاشة، وخاصة لأنهم محرومون من امتلاك وسائل الحماية والقدرة على الدفاع عن أنفسهم.
لا تشن النساء الحروب ولا تبادر إلى إعلانها، لكنهن قد يشارك فيها مرغمات أو بإرادتهن
تتعدد مظاهر وأشكال العنف الممارس على النساء والأطفال والعجزة وكبار السن والمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة أثناء الحروب، مثل هدم المساكن بصورة كاملة أو جزئية وتغيير أماكن السكن والنزوح واللجوء والحرمان من الخصوصية والتجريد من الوثائق الشخصية وضياع وثائق التعريف والملكية، وعدم تأمين الدواء والغذاء وخاصة للأمراض المزمنة وللحالات الاستشفائية الطارئة وخاصة ما بعد عمليات تقديم الإسعاف الأولي والدعم النفسي، والمعنوي، وغياب الأمن الغذائي والنفسي دون إغفال الأمراض المرتبطة بالصحة العقلية والصدمات، ولا سيما صدمات الخوف والذهول جراء فقدان الأهل والأحبة.
كما تعاني النساء والأطفال تحديداً من فقدانهم للخصوصية عند اضطرارهم للانتقال إلى الملاجئ أو أماكن الحماية المؤقتة حرصاً على سلامتهم ومنعاً لتفاقم أعداد الضحايا وتوسع حجم الإصابات وتراكم العجز الصحي والنفسي. ولا يمكن أبداً تجاهل ضرورة تأمين المياه النظيفة والآمنة لمراكز الإيواء الجديدة. وقد تتحول عملية تأمين المياه والأدوية والأثاث النظيف إلى معضلة تحتاج تدخلا فورياً من منظمات خارج الحدود.
كذلك تعتبر قضية التركيز على أعداد الضحايا من النساء والأطفال إحدى الوسائل الهادفة إلى وضع حد لاستعار المعارك واشتدادها، وللجم المتحاربين مع التركيز على أن الجرائم ضد المدنيين هي جرائم ضد الإنسانية وتستوجب العقاب بموجب القانون الإنساني الدولي.
هل تكفي الأرقام لوقف الحروب ووقف الاعتداءات على الفئات الأكثر هشاشة وبالتالي أكثر تضررا؟ وهل يكفي الوعيد والتهديد بالعقاب القانوني في أطره الإنسانية والأممية لحماية حياة الأفراد في مناطق الصراع؟
إنها جدلية توازي الحياة ذاتها أهمية، خاصة في سعينا المسؤول والحثيث من أجل العدالة والسلام.