النساء وتكنولوجيا المعلومات
في خطابٍ موجّهٍ للنساء، شدّد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، على الحاجةِ الماسة للتكنولوجيا، وخاصة تكنولوجيا المعلومات للنهوضِ بقضايا المساواة بين الجنسين وقدرتها على حمايةِ النساء من الاستغلال والانتهاك الجنسي والعنف، إضافة إلى أهميّة تكنولوجيا المعلومات بالتعجيل في رفع مستوى المشاركة الكاملة للنساء، وتبوّؤهن الأدوار القياديّة، انطلاقًا من توسيع مساراتِ الحصول على التعليم وفرص العمل والتعليم المبكّر واللاحق للفتيات والنساء البالغات أيضا، وحتى المتقدّمات في العمر ممّن فاتهن قطار التعليم لأسبابٍ عديدة.
تشكّل النساء أقل من ثلث القوى العاملة في مجالاتِ العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، ولا بدّ من الإشارةِ إلى أنّ غياب النساء عن هذه المواقع يعكس تمييزًا متأصّلًا منذ البداية. ورغم غزارة توفّر وانتشار أدوات التواصل الرقمي وسطوة تكنولوجيا المعلومات على يوميّات العالم إلّا أنّ أكثر من ثلث نساء الأرض عاجزات عن الوصول إلى التكنولوجيا بحدِّها الأدنى للتواصل وتسهيل الخدمات وإعلاء الصوت وإيصاله من أجل الإشارة والتركيز على ما تُعانيه النساء من عنفٍ وتمييزٍ في كافة أنحاء الأرض.
وفي الحياة اليوميّة يتم التعامل مع استخدام النساء لوسائل التواصل، حتى في شكلها البدائي، أي غير التقني، بصورةٍ تمييزيّةٍ فاقعة، تمامًا كما يتم التعامل مع قيادة النساء للسيارات، وكأنّه فعل غير متقن أو عبء كبير على حركةِ السيارات، وعلى أمنِ السيارات، وكلّ من يقودها، وعلى حركة الطرق وسلامة المشاة والعابرين.. وتختلطُ هنا السخرية المتفاقمة مع النظرة القطعية الحاسمة التي تعتبر أنّ النساء غير جديرات بقيادة السيارات، بل ويُعتبر وجودهن خلف مقود القيادة عبئًا وإعاقة واضحة لحركة وحسن سير المواصلات بشكلٍ عام.
إنّ كلَّ وسائل المنع والاتهام والتهديد ومحاولات الحجب هي فعلياً محاولة محمومة وجدّية متواصلة، نحو إغراق النساء في العتمة والصمت المطبق
في غيابِ الإحصاءاتِ الدقيقة التي ترصد حجم استعمال كلّ من النساء والرجال لوسائل التواصل، وخاصة صفحات ومواقع التواصل الاجتماعي، ورغم كلّ التحذيرات التي توضّح الخطر الناجم عن هذه التطبيقات إلا أنّ استخدام النساء لها يكون حكمًا أقلّ من استخدام الرجال لغيابِ الموارد الماليّة الكافية، وللرقابة المجتمعيّة والعائليّة اللصيقة، خاصة في بعض المجتمعات.
إنّ تعميم النظرة القائلة بأنّ وسائل التواصل الاجتماعي باتتْ بؤرةً للشر والموبقات وفساد الأخلاق هي مواقف ضديّة وقطعيّة مدفوعةً بنظرةٍ تمييزيّةٍ تقصد إبقاء النساء رهينات جدران البيوت الضيّقة المسموح لهنّ التواجد ضمنها فقط، ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ ما يُعلن عنه من حوادث تحرّش أو تنمّر، وربّما لحالاتٍ أشدّ خطرًا، هي فعليًّا جزء من واقع موجود، لكنه الآن معلن أو أنّ الضوء مسلّط عليه اليوم، بعد أن استمر زمنًا طويلًا في الخفاءِ والعتمة والصمت.
يبدو البون شاسعًا بين الاستخدام اليومي لتكنولوجيا المعلومات وبين وصول النساء لمواقع العمل والبحث واستلام مواقع متقدّمة في هذا المضمار، لكن أيّ وصول إلى الغاية المنشودة، وهي انخراط النساء في مضمار تكنولوجيا المعلومات، تعوقه أسباب لا تقتصر على الموارد الاقتصاديّة والعلميّة وحسب، بل تتجاوزه إلى البنية الذهنيّة العميقة الرافضة لأيّ تغيير إيجابي في حياة النساء، خاصة العقلية النمطيّة الثابتة والمُعمَّمة حول عجزِ النساء البديهي والطبيعي، نسبةً إلى طبيعة عقولهن وتركيبتها البيولوجيّة، كما يشيع غلاة المتطرّفين التمييزين والرافضين بحسمٍ لامتلاك النساء لمنصّات التعبير عن واقعهن، ولو بصورةٍ بسيطة تساهم في تغيير السردية الاتهاميّة العامة تجاه النساء على أقلّ تقدير.
ثمّة مستوى مُغرق في إنكاره لحقوق النساء استنادًا إلى قاعدةٍ قاطعةٍ، تقول إنّ عقول النساء غير قادرة على ذلك، وإنّ ولوج النساء لهذه الوسائل وانخراطها فيها كعملٍ وهدفٍ مستقبليٍّ، وكوسيلةِ تواصلٍ يومي، هو خطر لا يهدّد النساء وحدهن، بل يهدّد العالم برمّته.
إنّ كلّ وسائل المنع والاتهام والتهديد ومحاولات الحجب هي فعليًا محاولةٌ محمومةٌ وجدّية متواصلة، نحو إغراقِ النساء في العتمة والصمت المطبق.