"دو، يَك".. قصص عن المدينة والنساء والذاكرة
النساء، المدينة، الفضاءات العامة في مدينة دمشق المتعبة، دمشق التي تعيش حالة من البؤس العام والسوداوية نتيجة الحرب والقمع والخوف والفقر.. هذه بعض عناوين ومواضيع المجموعة القصصية الجديدة "دو، يَك" للكاتبة السورية، روعة سنبل.
إنّ الحديث عن ترتيب القصص في المجموعة وتقسيم الكتاب إلى ثلاثة أقسام رئيسية (تحمل عناوين "ذاكرة، دروب، ليل"، وبدورها، تحتوى تلك الأقسام على عدّة قصص تحمل عناوين أخرى) هو حديث عن العمل الإبداعي والتأليفي للكاتبة بحسب كتاب "الأجناس الأدبية" للكاتب والناقد إيف ستالوني، إذ يقول "الترتيب، سواء كان الكاتب من وضعه أم المحرّر، وبغضّ النظر عن زمن الكتابة، فهذا الفعل فعل مقصود ينتسب إلى العمل الإبداعي وعندها تصير القصة جزءًا من كلّ، ووحدة قراءة تشبه الفصل في الرواية".
وهذا ما نجده في المجموعة القصصية "دو، يَك"، ففي القسم الأول منها (ذاكرة)، والتي تضم أربع قصص، تبدأ القصة الأولى برغبة الساردة في البوح والتدوين والمشاركة والكتابة، وإلا سوف يصيبها الجنون وانعدام المنطق، "الآن فقط عرفت كلّ شيء، وتذكرت كلّ شيء، الآن فقط صرت شجاعة بما يكفي، أريد أن أحكي، أن أصرخ، لكن لا صوت لي".
وفي القسم الثاني من المجموعة، والذي يحمل عنوان دروب، نقرأ قصصًا عن أخريات، ونبتعد عن الذاتية لتقربنا أكثر من أماكن المدينة المهمشة، حيث تنتمي المجموعة القصصية إلى مدرسة الواقعية الحديثة، استلهامًا مما تعيشه مدينة دمشق الآن، من حرب وقمع وغربة ووحدة وفقر وفقدان..
بالنسبة لشخصيات القصص، فهي متنوّعة وتلعب أدواراً مجتمعية عديدة، حيث نجد الابنة والوالد، الحفيدة والجدة، حارسة حمام عمومي، عاملة منزلية، زوجة، مسافرة، عجوزا متقدمة في السن، ثكلى، أرملة، مشاهدة، صيدلانية.
تُنوّع الكاتبة في شخصياتها وتُقدّم وجهة نظرهم عن مواضيع عدّة ومتعدّدة، بدءًا من ذكرياتهم الشخصية الخاصة إلى تفاعلهم من المدينة وأمكنتها، فعلاقتهم مع أجسادهم والتحدّيات التي تواجههن في ظلّ الفقر والقمع وسوداوية الواقع. كلّ ذلك يؤدي إلى وحدة الحدث في جميع القصص، وهذه من جماليات القصة القصيرة حسب كتاب "الأجناس الأدبية" لإيف ستالوني.
في القسم الثالث من المجموعة، والذي وضعت له الكاتبة عنوان "ليل"، تأخذنا القصص إلى العالم الليلي لدمشق، حيث تزداد القصص سوداوية وتزداد القصص قسوة، لنعيش تفاصيل شخصيات مدينة دمشق المهمّشة، حيث "أميرة التي تعرف" هي عجوز سبعينية، وحيدة، تعيش وتعتني بأحد الحمامات العامة في المدينة، وهي تعرف الجانب المظلم من المدينة وقصص نسائها وبناتها اللواتي يتخذن أحياناً من الحمّام ملاذاً آمنًا للهروب من الفضيحة.
في القصة الثالثة "صبي المشنقة"، تسرد لنا الكاتبة قصة صبي مشرّد يزعج المارة، ويحاول أن يلف حبلا على رقبة ضحاياها كنوع من المزاح الثقيل. يمسك به أحد الرجال ويبرحه ضرباً لتتحوّل مشاعر المارة إلى تعاطف معه، بعد أن يقول جملته التي وقعت على مسامع المارة مثل القنبلة "شنقوا أمي".
بالإضافة إلى تنوّع الشخصيات، يظهر أيضًا تنوّع الأمكنة والفضاءات، إذ نجد في القصص ذكرا لمناطق عامة ووسائل النقل والحمامات العامة والمطارات وشوارع المدينة وأزقتها، كما تصل بنا القصص إلى الأماكن المهمّشة والعامة، والتي تتواجد فيها غالبية شخصيات القصص.
لا تقتصر شخصيات القصص على النساء، ولكن تتوّسع لتضم قصصا عن ذكور ورجال وشيوخ وأطفال.. ولكن الشيء المشترك هو أنّ لجميع القصص نفس الراوية، نفس الروح وطريقة السرد، وهذا عنصر ثاني جماليات القصة القصيرة.
تقدم لنا الرواية في المجموعة أنطولوجيا اختياراتها شخصيات من المدينة، تجعل أحياناً المونولوج الداخلي طريقة للبوح، وتارةً أخرى الذكريات والأحلام.. وكلّ ذلك ينساب في لغة بسيطة ونسوية وواقعية في آن معاً.
الجدير بالذكر أنّ المجموعة القصصية دخلت ضمن القائمة القصيرة لجائزة الملتقى للقصة العربية القصيرة في دورتها السادسة لعام 2023، وصدرت عن دار ممدوح عدوان (2020) وتلقت دعما من مؤسسة "اتجاهات/ ثقافة مستقلة".