قومية عربية مغموسة بالدم
تداولت مواقع إخبارية قبل يومين صوراً تجمع بعض ساسة من "معارضين عرب" مع رأس النظام السوري في دمشق، كان منهم من مثّل وجوده صدمة لقطاع واسع من الجمهور المهتم بالشأن العام، إذ ظهر فيها نُخب سياسية عربية حملت لواء التغيير والحرية في بلدانها، في موقف مناقض لما نادوا به سابقاً من حق للشعوب في تقرير مصيرها. ولن أسهب عن الكثيرين، فما ينطبق على شخص واحد ينطبق على الجميع، حيث يُعرف الرجال بالحق ولا يُعرف الحق بالرجال.
يتساءل الناس عن مفهوم الحرية، وعن التناقض في المواقف، وعن ظلم ذوي القربة، كيف تنادي بحق الناس في مقاومة الظلم في مصر، وتستنكره في سورية، ولا تكتفي بالاستنكار فقط، بل تذهب إلى الأنكى من ذلك بلقائك رأس سلطة، لم يدع وسيلة أو طريقة سمع بها الناس، أو لم يسمعوا، إلا واستخدمها في قتل شعبه.
القتل هنا ليس توصيفاً مجازياً، بل فعل حقيقي يومي مع سبق الإصرار والترصّد، والقتل هنا ليس لحظة مؤقتة، بل هو فعل مضارع مستمر، لم تعرف سلطة الأسد، من حافظ إلى بشار، سبيلاً آخر في "مقاومة" شعبها، سوى سفك الدماء في وضح النهار.
"الزعيم المنتخب" حديثاً أميناً عاماً لما يسمّى (المؤتمر القومي العربي)، ذهب إلى مقابلة بشار الأسد غير المنتخب، في سياق أنّ الأخير هو الحصن والطود الشامخ وآخر رموز المقاومة والممانعة العربية الرسمية التي تقف في وجه الإمبريالية والصهيونية. ولا أدري حقيقة على من يحاول السيد حمدين صباحي أن يضحك؟!
رئيس مستباح السماء والأرض والماء، ثم يخرج من يقول "الزعيم العربي القومي الممانع المقاوم الداعم لقضية فلسطين"!.
حمدين المعروف بناصريته (وهذه ليست تهمة) منذ بداية حياته، لم ينضج مع الوقت، وبدلاً من أن يراجع موقفه من "الديكتاتورية الناصرية القومية العربية"، ازداد في تماديه وتماهيه مع كلّ رافع للواء "قومية القمع والدم"، ليس بداية برأس النظام المصري ولا انتهاءً برأس النظام السوري.
المبرّر المكرّر دائماً هو شعار مقاومة الإمبريالية، ذلك الشعار الذي أفرغه بعض الناصريين من مضمونه تماماً. ولا أفهم حقيقة أيّ إمبريالية تلك التي تقاومها، ورأس النظام الذي ذهبت لزيارته بعض أرضه محتلة من قبل الدب الروسي، ولا يجرؤ ولن يجرؤ، حتى على مجرّد التلميح بالاستنكار لتواجده. وليس عندك شجاعة الإشارة إليه بذلك، ولن يكون، ناهيك عن الجولان المحتل من عشرات السنوات من قبل العدو الإسرائيلي، المستبيح لكامل التراب السوري بطائراته الحربية، ولا نسمع من "البطل القومي" العربي سوى الاستنكار والتأكيد الدائم والمكرّر على الاحتفاظ بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين!
رئيس مستباح السماء والأرض والماء، ثم يخرج من يقول: "الزعيم العربي القومي الممانع المقاوم الداعم لقضية فلسطين"!.
وهنا أُذكّر السيد صباحي بما كان يردّده مع النشطاء في عهد المخلوع حسني مبارك: "وعشان نحرّر فلسطين، لازم نحرّر مصر من الي حاكمينها، والي سارقينها، والي ناهبينها"، فهل تغيّر شيء يا حمدين؟
زيارة حمدين صباحي إلى دمشق للقاء بشار الأسد عار، وهذا التطبيع عار، ولن تساهم ابتسامتك ورفاقيتك في تجميل وجه النظام الكيماوي
أم أنّ الطغمة الحاكمة في سورية التي تراهن عليها بتحرير فلسطين طاهرة أيديهم من السرقة والنهب، دعك من هذا، ماذا عن القتل وسفك الدماء، ماذا عن الكيماوي؟ ماذا عن المعتقلات؟ ماذا عن الاغتيال؟ ماذا عن التهجير؟ ماذا عن الوأد والفتك بشعب كامل لا شيء سوى أنه قال: "الله، سورية، حرية وبس".
ألم تخرج مع الناس في عهد مبارك تطالب بحق خالد سعيد الذي قتلته الشرطة من التعذيب؟ ألم تخرج مع الناس في ميدان التحرير تطالب برحيل مبارك الذي طغى في البلاد؟ فما الذي تغيّر؟ ألم تسمع عن سوريين آخرين من خارج عائلة الأسد والمنتفعين منها؟ ألم تسمع عن ألوف المخفيين قسرياً؟ ألم تسمع عن عشرات الآلاف في المعتقلات؟ ألم تسمع عن مئات الآلاف من القتلى بالرصاص والكيماوي؟ ألم تسمع عن ملايين المهجرين؟
فإذا كان سمعك ثقيلاً، فماذا عن بصرك؟ ماذا عن بصيرتك؟ هل فقدتها جميعا؟ أليس لك قلب ينبض ويخفق، وهو يسمع صرخات الأمهات اللواتي تطالب فقط بإجلاء مصير أبنائها؟ أم أنّ البيادة العسكرية التي تسفك الدماء تُسيّل لعابك لأنها تصرخ: "بالروح والدم نفديك يا ناصر؟!".
هذه الزيارة عار، وهذا التطبيع عار، ولن تساهم ابتسامتك ورفاقيتك في تجميل وجه النظام الكيماوي.
السوريون قالوا كلمتهم واضحة بصوت الساروت: "حانن للحرية حانن"، وسنبقى نحن معهم، ومع شابات وفتيان دفعوا أعمارهم وحريتهم ممهورة بوداعتهم لأمهاتهم بـ"يا يما أنا طالع أخلع ثوب العار". هذا هو الباقي والخالد.. شاء التيار القومي العربي (الفشكولي الأي كلام) أو أبى. وسنبقى رفاقة مع صوت الشعب السوري: "ما بدنا حكم الأسد بدنا حرية".