مصر والسنغال... "إنقاذ وطن"
في السنغال خرج الرئيس، ماكي سال، يوم الاثنين الماضي، قائلاً لشعبه: "قررت ألا أترشح في الانتخابات المقبلة في 25 فبراير 2024″، وأضاف: "السنغال تتجاوز شخصي، وهي مليئة بالقادة القادرين على دفع البلاد نحو النهوض". وأكد: "ضميري وذاكرتي مرتاحان لما قلته وكتبته وكرّرته، هنا وفي الخارج، من أنّ ولاية 2019 كانت ولايتي الثانية والأخيرة".
في مصر منتصف شهر يونيو/ حزيران الماضي، خرج الرئيس، عبد الفتاح السيسي، في المؤتمر الوطني للشباب بالإسكندرية، قائلاً في ردّه على نائب برلماني تحدّث عن ضرورة الإفراج عن المعتقلين: "دا إنقاذ وطن"، في إشارة إلى أنّ كلّ من جرى اعتقاله كان من أجل مصلحة الوطن وإنقاذه.
انتخب ماكي سال في 2012، وقام بتعديل الدستور في 2016، وأعيد انتخابه في 2019، وفي 2023 أعلن عدم ترشحه لولاية ثالثة. انتخب عبد الفتاح السيسي في 2014، وأعيد انتخابه في 2018، وقام بتعديل الدستور في 2019، وفي 2023 يفكر في تقديم موعد الانتخابات الرئاسية.
لن أخوض كثيراً في المقاربات وعقد المقارنات، فليس من ورائها استفادة كبيرة، إذ تكفي رؤوس الأقلام لفهم المقصود!
هل لم يكن بمقدور الرئيس السنغالي أن يتمسّك بالترّشح، خاصة أنه على رأس السلطة وبيديه مقاليد الأمر كله؟ بكل تأكيد نعم. أعلم أنّ قرار التخلّي عن السلطة قرار صعب وجريء وشجاع.
لكن الأوطان ليست لمَن يحكمها، إنما هي لشعوبها، ومن حق الشعوب أن تقرّر مصيرها وتختار من يحكمها، هذه من البديهيات. فلماذا لا يعي أصحاب السلطة في كلّ مكان هذه البديهيات، خاصة الفاشلين منهم؟
إنقاذ الوطن لا يكون بمزيد من القمع والإفقار والتجويع والقهر واستفحال المؤسسات الأمنية، وبناء مزيد من السجون، وزيادة أعداد المعتقلين
يمكن للرئيس المصري أن يدخل التاريخ من باب جديد! لو أعلن عدم ترشحه لفترة ثالثة، وأنه يضمن للشعب أن تكون الانتخابات القادمة حرّة ونزيهة وبعيدة عن التحكمات الأمنية للأجهزة الكثيرة التي يعجّ بها الوطن. ويمكن للناس أن تعطي له حق الخروج الآمن، إن كان هذا ما يقلقه.
كمواطن مصري منفي منذ عشر سنين، ومُدرج على قوائم الإرهاب، وله أقرباء منفيون، ومعتقلون، وأخ قتل برصاص المنوطين بحماية أرواح الشعب، أحب أن أساعد في "إنقاذ الوطن".
من هنا ينقذ وطنه؟
فهل يعي الرئيس وأجهزته أنّ هذا حال عشرات الآلاف من الأهالي الذين يريدون إنقاذ ذويهم، والذين لم يكونوا يوماً ما أعداء للوطن؟
استقطع من وقتك يا حضرة الرئيس وشاهد فيلمي "البداية" و"البريء" للفنان الراحل أحمد زكي، وتابع مباريات فريق السنغال لكرة القدم. قد يمكنك هذا من مشاهدة الوطن.
يا من تقسم بالله ليل نهار بأنك لا تكذب، وبأنك تحمل هم هذا الشعب وتريد العبور بمصر إلى أفق أرحب، وإنقاذها من براثن الماضي، إنقاذ الوطن لن يأتي بمزيد من القمع والإفقار والتجويع والقهر واستفحال المؤسسات الأمنية، وبناء مزيد من السجون، وزيادة أعداد المعتقلين... وأيضاً لن يأتي بترّشح جديد لكرسي الرئاسة.
إنقاذ الوطن يا فخامة الرئيس سيتحقق بتداول السلطة، وبالحريات، والإفراج عن المعتقلين، وعودة المنفيين، وأن تكون الإدارة بالكفاءة لا المحسوبية، وأن يعي جميع من في السلطة، والمعارضة، وعلى "الكنبة"، أنّ هذا الوطن للجميع بمعنى الجميع، لا فضل فيه لعسكري على مدني. هذا ما سينقذ الوطن.
فهل تنقذ الوطن يا سيادة الرئيس؟ وتعلن عدم ترشحك لولاية ثالثة؟ وتعلم أنّ الوطن يتجاوز شخصك، وهو مليء بالكفاءات في كلّ المساحات، بما فيها مساحة القصر الجمهوري.