"يا وحدنا"... فلسطينيون وعرب!
كثيراً ما يطلب طبيب الأسنان صورة بانورامية للفكين العلوي والسفلي لحلّ مشكلة الأوجاع المستمرة. ومصطلح بانوراما هو: مشهدٌ عامٌّ يبدو من علوٍّ منظراً شاملاً في كل اتجاه كنظرة الطائر إلى الأرض.
أشرقت الشمس، والأخبار مؤلمة، وكلام جدتي هجس بي. كانت تقول في الماضي: "حين تغيب الشمس يبدأ الناس بالبكاء لانقضاء اليوم واقتراب رحلة نهاية العمر".
في الصباح الباكر، وبشكل شبه مستمر، يشنّ العدوان الإسرائيلي هجوماً متكرراً على الأراضي السورية من قبل سلاح الجوّ، بحجة ضرب مواقع القوات الإيرانية. فنسمع أصوات الانفجارات، وبعدها نشاهد صور الدّمار والأضرار المادية، وغير المادية.
والسؤال الهام: هل الضحايا إيرانيون أم سوريون؟! يا وحدنا!
في عشرينيات القرن الماضي، قاد سلطان باشا الأطرش الثورة السورية الكبرى ضد الاحتلال الفرنسي، وكذلك الأمر قامت الثورة الجزائرية الكبرى عام 1954 بقيادة الأمير عبد القادر الجزائري (بلاد المليون شهيد) ضد الاحتلال الفرنسي.
وفي عام 1935 اندلعت الثورة الفلسطينية الكبرى بقيادة الشيخ عز الدين القسّام ضد الاحتلال البريطاني، حتى وصلنا إلى نكبة فلسطين 1948، ومشاركة الجيوش العربية وخسارة الحرب بسبب ضعف التنسيق والتسلح. تحرك التاريخ إلى الأمام، ووصلنا إلى حرب "الستة أيام" نكسة 1967، وفقدان الدول العربية المجاورة كلها أراضيَ لها. وخاض الفلسطينيون أيلول الأسود عام 1970، ونُقلوا بعدها إلى لبنان بعد اتفاق القاهرة عام 1969.. يا وحدنا!
في عام 1974، وقف الراحل ياسر عرفات على منبر الأمم المتحدة سنة 1974 قائلاً: "جئتكم ببندقية الثائر وغصن الزيتون.. لا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي!".
في تلك المرحلة خاض الفلسطينيون حرباً مع القوات الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية، وأطلقوا شعار (يا وحدنا).
العمليات الفدائية التي نفّذها الفلسطينيون داخل لبنان وخارجها، كان لها أثر فعال في تلك المرحلة، وبسبب تغيّر موازين القوى الدولية عُقد اتفاق، ورُحِّلَ الفلسطينيون من لبنان إلى الجزائر عبر البواخر. حينها سأل الشاعر الراحل محمود درويش الراحلَ أبا عمار: "إلى أين نحن ذاهبون؟ فأجابه: إلى فلسطين".
في عشرينيات القرن الماضي، قاد سلطان باشا الأطرش الثورة السورية الكبرى ضد الاحتلال الفرنسي، وكذلك الأمر قامت الثورة الجزائرية الكبرى عام 1954م بقيادة الأمير عبد القادر الجزائري (بلاد المليون شهيد) ضد الاحتلال الفرنسي.
وفعلاً دخل الفلسطينيون الأراضي الفلسطينية.. الانتفاضة الأولى كانت أطفال الحجارة 1987 وسببها المباشر: دهسُ سائق شاحنة إسرائيلي مجموعة عمال فلسطينيين. توقفت الانتفاضة وبدأت من جديد عام 2000 بسبب دخول شارون المسجد الأقصى، إضافة إلى معارك غزة وجنين.
ولعبت كتلة فلسطينيي 1948 دورها في فضح الممارسات العنصرية للعدوّ الإسرائيلي، وآخرها: شكْرُ النائب وليد طه فريق المغرب في عقر الكنيست وهو ما أثار حفيظة العنصريين في الكنيست. ودور المفكر الراحل إدوارد سعيد، والدور الأكاديمي للدكتور والمفكر عزمي بشارة، والكاتب غسان كنفاني. لنصل إلى السجناء الستة الذين خرجوا من سجون الاحتلال وسجنوا العالم بصمته، وحرروا أنفسهم لأنهم يستحقون الحياة. إلى شيرين أبو عاقلة وسترتها الزرقاء التي حملها الفلسطينيون وطافوا بها شوارع فلسطين. وأيضاً ارتداء الزيّ الشعبي الفلسطيني في أنحاء العالم كله ردّاً على ارتداء فتاة إسرائيلية الزيّ الفلسطيني في حفل اختيار ملكة جمال في مدينة العقبة. حتى نصل إلى الكوفية الفلسطينية والأغاني الشعبية، وآخرها أغنية أم العبد "شدّوا بعضكم يا أهل فلسطين ما ودّعتكم رحلة فلسطين".
إضافة إلى الشاب الفلسطيني عديّ التميمي حليق الشعر الذي دخل على حاجز إسرائيلي وقتل عناصر الحاجز وهرب. وبدأت رحلة بحث القوات الإسرائيلية عنه، وتأخرت بالوصول إليه لتشابه أشكال شباب القرية وحلقهم شعرهم تضامناً معه. - يا وحدنا!-.
بعد إحصاءات العام الحالي، أبدت الأوساط الإسرائيلية قلقها من ارتفاع نسبة القتلى الإسرائيليين من خلال العمليات الفردية المتنوعة: الدهس والطعن وإطلاق النار.
هنا، في إحدى القرى السورية، جرى حديث مع مغترب عن الفلسطينيين في الخارج. قال المغترب عن لقائه مع إحدى الفتيات ذات الأصول الفلسطينية: إنها تتكلم الإنكليزية بطلاقة ولا تعرف العربية، تحتفل بيوم الأرض كأنها تحجّ. - يا وحدنا-.
حتى في المناسبات الدولية، كانت القضية الفلسطينية حاضرة، ففي مونديال قطر 2022، رفع الفريقُ المغربي العلمَ الفلسطيني، ورفضت الجماهير العربية المشارِكة الحديث مع المذيع الإسرائيلي.
وربما تذكرنا هذه الحادثة بقول الشاعر نزار قباني:
كل ليمونة ستنجب طفلاً
ومحال أن ينتهي الليمون
بعد هذه النظرة شبه البانورامية للقضية الفلسطينية: هل الفلسطينيون يا وحدنا أم نحن الشعوب العربية يا وحدنا؟!
دول يأكلها الفساد والفقر، والنهب والاستبداد والتنمية المفقودة، وما زلنا ننتظر الردّ الحضاري المناسب. يا وحدنا.. يا وحدنا!