أجور نجوم رمضان ونظرية الريموت كنترول
الترفيه صناعة مثل أي صناعة، وصناعة مسلسلات رمضان لا تختلف عن صناعة فوانيس رمضان، أو زيادة إنتاج منتجات الألبان والعصائر استعداداً لزيادة الإقبال عليها من الصائمين.
كثير من الناس في كثير من البلدان يعتمدون على صناعة الترفيه في تحصيل المال، وعشرات الآلاف من الأشخاص يعتبرونها مصدر رزقهم الوحيد.
إنفاق المال على البرامج والمسلسلات أمر طبيعي، لأن كل منتج له تكلفة، والمنتجات المكلفة تحقق عادة أرباحاً مضاعفة، والفكرة الرائجة المتكررة سنوياً عن الأجور المبالغ فيها التي يتقاضاها الفنانون لا قيمة لها عند أصحاب الصناعة، فبالتأكيد ليس المنتج مجنوناً ليدفع لفنان ملايين التي لا يثق بأنه سيسترجعها، والحقيقة أنه يسترجعها بمساعدتك كمشاهد لأنك وملايين غيرك تتفرغون للمشاهدة، والمسلسلات والبرامج التي تشهد إقبالاً جماهيرياً يكون عليها إقبال إعلاني يعوض منتجها عما دفعه للنجوم.
وأجور الفنانين مثلها مثل أجور لاعبي الكرة، وهي تخضع لمنطق الأرباح التي يحققها الفريق من وراء اللاعب. ما يعني أن عادل إمام، كمثال، لن يكون أجره عشرين أو ثلاثين مليوناً إن لم يكن يحقق لمنتج مسلسله أضعاف هذا الرقم.
لست هنا أناقش جودة الأعمال الترفيهية المقدمة في شهر رمضان، أو تعمد بعضها تقديم التعري والمخدرات والخمور والعادات السيئة للجمهور، أو تدخل الحكومات في الصناعة لتغييب وعي الجمهور أو صرفه عن أمور أهم، وكل هذا واقع لا جدال فيه، وإنما أناقش جدلية تكلفتها، وتعامل البعض في الدول العربية التي تعرف كوارث متعددة أغلبها مقترن بالفقر والفساد، مع الأعمال الرمضانية باعتبار أن المال الذي ينفق عليها مهدر.
لا شك أن توزيع الثروات في أي بلد أمر طبيعي بما يحقق لجميع مواطنيه الرفاه والعدالة، لكن في الدول التي تسرق فيها المليارات ليل نهار تحت سمع وبصر مواطنيها دون أن يحرك أحدهم ساكنا، أو ينفقها الحكام وتابعوهم على اللهو والملذات وشراء اليخوت والسيارات، أو تمنح لدول أخرى لقاء عقود سلاح أو شراء ولاء، في تلك الدول: يصبح الحديث عن ملياري دولار تنفق سنوياً على مسلسلات وبرامج مخصصة للعرض في شهر رمضان ترفاً، أو بالأحرى سذاجة.
ومقارنة الإنفاق على المواد الترفيهية بالإنفاق على التعليم أو الصحة وغيرها هي مقارنة فاسدة كليا، ففي كل دول العالم التي تعرف تعليماً وصحة وخدمات جيدة، هناك صناعة ترفيه جيدة، ولا تضارب بين الأمرين.
ولا يمكنك تحميل صناع المواد الترفيهية مسؤولية فشلك أو خوفك أو تقاعسك عن الضغط على حكامك لتوفير خدمات جيدة لك ولعائلتك، ووفق التجربة في دول عدة، فإن أموال الترفيه لو تم توفيرها فلن تنفق على التعليم أو الصحة وإنما على التسليح، أو تضيع في دوامة الفساد.
وبعيداً عن قصة المال التي تستهوي كثيرين، كون أغلب الشعوب العربية فقيرة، أو تعاني من الفساد الحكومي، فإن الحديث عن جودة الأعمال وضرورة ضبط الرسائل التي تبثها هو نوع من الترف أيضاً.
يصدق الجمهور العربي الكثير من الأكاذيب الواضحة التي تصبها الحكومات عبر وسائل الإعلام في عقله يومياً، وهو يهرب من البرامج الجادة إلى البرامج الساخرة عادة، وينحاز إلى مواقف عبثية تحت ضغط القبيلة والطائفة والجنسية، ويكره كل دعاة التغيير والحرية بل وأحياًنا يحرض عليهم أو يتجاوز إلى الاعتداء اللفظي والجسدي عليهم، ثم تجد نفس الشخص في شهر رمضان من كل عام يتحدث عن محتوى البرامج والمسلسلات بحدة تليق بمعارض أو ثائر أو مثقف موسوعي.
ونفس الشخص الذي يهلل لمسلسل ينافق نظام بلاده رغم كل ما فيه من أكاذيب أو تضليل، تجده يهاجم مسلسلا آخر يمجد نظام بلد يختلف مع هذا النظام، وهو نفسه يروج لضيف برنامج ينتقد نظاماً معادياً، وفي اليوم التالي إن استضاف نفس البرنامج ضيفاً ينتقد نظام بلاده تجده يتهم البرنامج ومقدمه وصناعه والقناة التي تقدمه بالخيانة أو العمالة والإرهاب، إلى غير ذلك من التهم المعلبة المكررة.
ويروج بعض أن المنتجين يقصدون إفساد شهر الصيام على الصائمين، على الرغم من أن القصة بسيطة. أنت المسؤول، فجهاز التلفزيون يعمل بأداة صغيرة تسمى "ريموت كنترول"، تمكنك بسهولة من التخلص مما لا يعجبك، على حد قول سيئ الذكر، صفوت الشريف، وزير الإعلام المصري السابق، فبإمكانك المداومة على مشاهدة القنوات الدينية، أو القنوات الرياضية بدلاً من القنوات الترفيهية، وبإمكانك دائما أن تحمل التلفزيون من مكانه وتدسه تحت السرير أو أعلى الدولاب طوال الشهر الفضيل.