"أدب المنفى العربي في أوروبا": قراءة جديدة

04 اغسطس 2023
يوهانا سيلمان
+ الخط -

تقوم فكرة كتاب "أدب المنفى العربي في أوروبا" Arabic Exile Literature in Europe، للناقدة والأكاديمية يوهانا سيلمان Johanna Sellman، الصادر عن "منشورات جامعة إدنبره"، على جعل الأدب الذي يُكتب عن اللاجئين الجُدُد يبدو معهوداً لدى قرّاء لم يتعوّدوا على قراءته.

مسألة تعريف الجمهور الأوروبي بقضايا اللاجئين وقصصهم قد لا تُغيّر كثيراً من معاملة السلطات الأوروبية لهم، ومع هذا، لا يمكن التقليل من أهميّة الأدب في التأثير على أحاسيس وأفكار الناس تجاه لاجئين ظلمتهم دولهم والأنظمة الدولية المتضاربة، وأعاقت سُبُل وصولهم إلى شواطئ آمنة، وقد لا تكون كذلك؛ فأوروبا ملجأ لأقدار كثيرة، منها السوية والمزدهرة، ومنها ما يقبع في غياهب الجحيم. دعك عن الغربة وما تُفرزه من معاناة وجودية من عيار ثقيل.

وبالعودة إلى الكتاب، فإنّ تناوُل مصائر اللاجئين عبر مفرداتهم، مثل "الحرّاقة"، و"الإقامة اليونانية"، و"الإقامة البلجيكية"، وكثرة الموت والفقدان المُرافق لرحلاتهم هي مواد خامّ لقصص أدبية مُفزعة لم يتعوّد عليها القارئ الأوروبي، لا سيما في العصر الحديث.

أدب أفراد بتجارب ورؤى مختلفة في المقام الأوّل

تكتب سيلمان في هذا الاتجاه مُلخّصةً أطروحة كتابها: "أدب المنفى العربي في أوروبا يَطرح فكرة أنّ الأدب العربي المتعلّق بالهجرة القسرية يُقدّم تأويلات إبداعية بديلة عن الخطابات المهيمنة عن الهجرة في أوروبا، وخصوصاً تلك التي تَعرض الهجرة على أنّها تهديد، وشيء خارج عن المألوف، أو تلك التي لا ترى فضاءات خارج إطار المواطنة التقليدية كفضاءات ممكنة للإنتاج الأدبي والفنّي".

وهنا تُبيّن الكاتبة كيف أن المبدعين اللاجئين تمكّنوا، من خلال قدرات أدبية عالية ورفيعة المستوى من ناحية المحتوى وطُرُق السرد وجماليات اللغة والشكل الأدبي، من جذب اهتمام وتفاعُل القرّاء مع إنتاجهم الأدبي، سواء الشعر أو القصّة القصيرة أو المسرح أو الرواية. وفي هذا السياق، فقد أصبحت برلين، على سبيل المثال، عاصمةً مهمّة لناحية استضافة أعمال أدبية من خلال أدائها على مسارح ومراكز ثقافية مهمّة فيها. وتلك سابقة مهمّة، فلم تكن برلين - التي كانت يوماً مركزاً للفاشية الأوروبية – بهذا الانفتاح، ولم يُعرَف عنها قبول أعمال جريئة للاجئين تُظهر أبعاداً مختلفة من حياتهم. وبهذا تأخذ برلين الحيّز الأكبر من مناقشة الأعمال التي جرى عرضها هناك، وتليها باريس ثمّ لندن وعواصم أوروبية أُخرى مثل كوبنهاغن.

وتشير يوهانا سيلمان في هذا السياق، إلى انتقال مركز الثقل الثقافي والأدبي من لندن التي كانت يوماً مركزاً مهماً لأعمال ثقافية عربية إلى برلين التي انفتحت على اللاجئين، على عكس لندن وباريس اللتين أغلقتا أبوابها أمامهم وتصرّفت إزاءهم بطُرق مهينة.

أدب المنفى العربي في أوروبا

ومن الأعمال التي تتطرّق الكاتبة إليها: قصّة "الذئب" لحسن بلاسم، ورواية حوارة الندوي "تحت سماء كوبنهاغن"، والقصص القصيرة لرشا عباس؛ مثل "كيف تمَّ اختراع اللغة الألمانية؟" و"ملخّص ما جرى"؛ وهي قصص تتناول رؤية لاجئ جديد ونظرته إلى برلين والحياة الألمانية.

وبشكلٍ عام، فإن العمل، الذي صدر في تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي، يبيّن أن الكتّاب يكتبون عن مواضيع تتقاطع بين تجارب جمعيّة، كاللجوء وعوالمه، وتجارب فرديّة، حيث نسمع أصوات الأفراد وما يدور في خَلدهم ونلمس مشاعرهم، وفي ذلك تبديد للصورة النمطية الشائعة عن أدب اللجوء كمصدر لمعرفة ترسّبات الحروب والدمار، فـ"أدب اللاجئين"- إن جازت التسميّة - هو أدب أفراد بتجارب ورؤى مختلفة في المقام الأوّل.


* كاتب وأكاديمي فلسطيني مقيم في لندن

المساهمون