الغرب في الشرق

25 أكتوبر 2024
من خانيونس جنوبي غزّة، 21 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- التوترات السياسية بين الغرب والعرب تتجاوز تأييد "إسرائيل"، مما يثير تساؤلات حول أسباب الكراهية المتبادلة، والتي تتراوح بين العنصرية والتناقضات الثقافية دون توافق واضح.
- الدعوة لرفض الغرب تثير جدلاً، حيث أن القطيعة تعني التخلي عن إنجازات ثقافية وعلمية أثرت في العالم العربي، مما قد يؤدي إلى العزلة عن التطورات العالمية.
- البحث عن الخروج من التبعية يتطلب شجاعة للاعتراف بالواقع وجرأة للتغيير، مع التركيز على التقدم الداخلي ومواجهة التحديات الخارجية.

في امتحان غزّة المُرعب، أظهر الغرب، أو الحكومات الغربية، موقفاً متشنّجاً من العرب، يتجاوز في الغالب تأييد "إسرائيل". يُخيَّل إلينا أحياناً أنّهم يُعبّرون عن رغبة في الثأر من شيء لا نعرفه، بحيث يترجَم هذا الموقف إلى سؤال يتردّد بين الكتّاب العرب هو: لماذا يكرهنا الغرب؟ وسوف يذهب كلُّ عربي مذهباً مختلفاً بحثاً عن جواب لهذا السؤال المتعب الممض الذي يُخلّف وراءه آلافاً، بل مئات الآلاف من الضحايا، من دون أن نصل بعد إلى جواب.

ليس لديَّ جواب أنا الآخر، وفي الغالب فإنّ معظم الأجوبة التي قدّمها الكتّاب العرب عن أسباب تلك الكراهية التي يُظهرها لنا الغرب لم تلقَ لديَّ، ولدى كثير من العرب، قبولاً قاطعاً. وقد سبق للروائي الراحل بهاء طاهر في مقالته "لماذا يكرهنا الغرب" من كتاب "أبناء رفاعة: الثقافة والحرية"، أن أفاد بأنّ العنصرية هي السبب، غير أنّه لم يكن جواباً شافياً. وفي الجواب عن هذا السؤال تتجلّى تناقضاتنا وحيرتنا واختلافاتنا التي لم تنته، ويبدو أنّها لن تنتهي في المدى المنظور.

وأخطر تلك الأجوبة هو الدعوة إلى رفض الغرب.

هل نلغي الغرب من حياتنا؟

ورفض الغرب اليوم يعني أن نلغي من حياتنا كلّ الروايات العربية التي كُتبت منذ أن اتّصلنا بهذا الفن، وتأثّرنا فيها بالرواية الغربية، وكتبنا على نهجها أعمالنا التي صارت تحمل اسم الرواية العربية، أي إنّنا منحنا النوع هوية عالمنا وناسنا، ويعني أن نلغي الشعر الحديث الذي صار قسماً حميماً من حياة الأجيال العربية منذ منتصف القرن العشرين حتى اليوم، ويعني أن نلغي المسرح العربي كلّه أيضاً، والذي تأثّرنا فيه بما قُدّم هناك من مقترحات، كما يعني تجاهُل ونسيان آلاف الكتب الأُخرى في الفلسفة وعلم الاجتماع والاقتصاد والسياسة والطب والكيمياء والفيزياء وغيرها الكثير من المعارف والمبادئ والقيم التي أغنت حياتنا.

وهذا يعني أنّنا لا يمكن أن نرفض الديمقراطية أو مبدأ الانتخابات الحرّة، أو فصل السلطات، أو رفض التوريث في السلطة التنفيذية. إذ إنّ هذا يعني استفراد الطغاة المحلّيّين بنا.

القطيعة مع الغرب تعني أيضاً رفض جميع منتجاته، وهذا يعني اختفاء السيارة والطائرة والقطار من حياتنا. ومع ذلك فنحن الذين نحتاج إليهم، أكثر ممّا يحتاجون إلينا، والحديث عن مصالحهم لدينا يجب ألّا يقتصر على اتجاه واحد، فالبترول لا يعني لنا شئياً إذا لم يمرّ عبر المصافي التي لم نخترعها نحن، بل هُم، وسوف نضطر لطحن قمحنا بالرحى إذا ما قرّرنا وقف استيراد المطاحن، وإذا كنّا نحتاج للإبرة، فقد كان علينا أن نصنعها، كما كان علينا أن نصنع المخابز وآلات المعامل إلى آخر ما يمكن أن يعد المرء من حاجاتنا.

ولكن يبقى السؤال قائماً: لماذا يكرهوننا؟ وربما كانت صرخة المغلوب أكثر ألماً، وحسرة. ولكن على المغلوب أن يسأل نفسه: متى؟ وكيف؟ أخرج من هذا الغلب الذي طال كثيراً؟ وفي اعتقادي أنّ البحث عن جواب لسؤالنا عن ما العمل هو الأمر الجوهري، إذ يتطلّب الأمر شجاعة الاعتراف بالأمر الواقع الذي نحن عليه، وجرأة البحث عن الأمل، وبسالة تحقيق التقدُّم في الداخل حيث التغيير لا يزال مطلباً، والخارج حيث التحدّي هو الحقيقة الغالبة.


* روائي من سورية

موقف
التحديثات الحية
المساهمون