حتى مطلع القرن العشرين، كان الرسم في تونس حكراً على الفنانين الفرنسيين والأوروبيين الذين أقاموا معارضهم السنوية منذ احتلال فرنسا للبلاد عام 1881، وهيمن على هؤلاء الفنانين نزعة استشراقية في تصوير الحياة الاجتماعية والمعالم التراثية قبل ظهور تيارات أكثر حداثة في العشرينيات.
وعلى هامش المعارض السنوية الفرنسية، أو في إطارها، بدأ الفنانون التونسيون الأوائل خطواتهم مثل الهادي الخياشي (1882 – 1948)، وعبد الوهاب الجيلاني (1890 -1961)، ويحيى التركي (1903 – 1969) والذين تعلّموا قواعد الفن في الورشات التي أنشاها فنانون فرنسيون في عدد من المدن التونسية، وبدأ الجيل الأول من الفنانين التونسيين بعرض أعمالهم عشية الحرب العالمية الأولى.
افتتح عند الرابعة من مساء الأحد الماضي في "المتحف الوطني للفن الحديث والمعاصر" بمدينة الثقافة في تونس العاصمة معرض حول أعمال الهادي الخياشي وابنه نور الدين (1918 – 1987)، يتواصل حتى الحادي والثلاثين من آذار/ مارس المقبل.
يضمّ المعرض مئات اللوحات التي رسمها الفنان الوالد ويغلب على معظمها البورتريهات ومنها رسومات كثير من أفراد من سلاللة البايات الحسينية؛ الأسرة التي حكمت البلاد حتى عام 1967 وارتبط الهادي بهم بعلاقة مصاهرة، وركّز على البورتريه كمحورٍ أساسيٍ لعمله الفنّي وكمورد رزقٍ جعله رسّام الشّخصيات السياسية والاجتماعي البارزة.
وبأسلوب واقعي تعلّمه على يد الرسام الفرنسي إميل بيتشار، تناول الهادي في لوحاته أيضاً المناظر الطبيعية ومشاهد الحياة اليومية، والأحياء الشعبية في تونس والأزياء والحرف التقليدية، إلى جانب أعمال تصوّر أحداثاً مهمة في البلاط التونسي خلال تلك الفترة.
أما الفنان الابن الذي درس في روما حيث التحق بـ"الأكاديمية الإيطالية للفنون الجميلة" عام 1937، وعاد إلى تونس وبدأ عرض لوحاته التي تنتمي إلى الواقعية والانطباعية مثل "تونس الجديدة"، و"الخمام"، و"العازفة"، وغيرها.
وكان أحد أبرز أسباب شهرته طبع عدد من لوحاته على الطابع البريد لجهورية تونس، مثل لوحته "الحناء" التي رسمها نور الدين في فترة السبعينيات، واعتمدت على الطابع البريدي عام 1996، وأيضاً لوحة "العازفة" التي طبعت على طابع بريدي عام 1998.
يُذكر أن المعرض يتزامن مع صدور كتاب مصوّر يضمّ أعمالاً مختارة للفنانيْن تنتمي إلى مراحل مختلفة في حياتهما، وتعكس جزءاً من ذاكرة تونس خلال القرن الماضي.