استمع إلى الملخص
- **الموت في غزة**: الطائرات والصواريخ الأميركية تقتل الأطفال والنساء في غزة، والمستوطنون يحتفلون بالمجازر على وسائل التواصل الاجتماعي، مما يعكس الرعب والدمار.
- **صمود الشعب الفلسطيني**: الفلسطينيون يواجهون الخراب بابتسامة وصمود، بينما يلمع بعض المثقفين الغربيين صورة مجرمي الحرب الإسرائيليين في الإعلام.
لا تزال "إسرائيل"، التي تعبت ألسنتنا وتقطّعت أيدينا ونحن نتكلّم ونكتب عن جرائمها، تُمعن في ثقافة المجزرة. ثقافة المجزرة هي الصهيونية حين لا ترى في الآخر العربي الفلسطيني سوى عدوٍّ تريد استئصاله، وتُباهي نفسها والأُمم بعقليّتها الإبادية التي يُفصح عنها أمثال نتنياهو وغالانت وبن غفير وسموترتيش وفيغلن وجنودهم الوحوش في غزّة. هؤلاء الذين أتوا من قُمقم الفاشية الغربية ليفرضوا الدمار والهلاك كطريقة حياة ضدّ أصحاب البلاد وروحها الساطعة. وهؤلاء ليسوا شيئاً عابراً في تاريخ الكيان الصهيوني، هُم سدنة منطقه وسوداوية رؤيته منذ البداية. الصهيونية التي ينطق بها كثيرٌ من الساسة الغربيّين ويعبّرون عن انتمائهم إليها بكلّ "فخر" ليست سوى عارٍ عليهم، عارٌ يشمل قتل الأطفال والأبرياء وأبشع مآلات الدمار والفساد على البشرية.
يأتي الموت إلى أهل غزّة محمولاً على أجنحة الطائرات الأميركية وصواريخها التي تضرب جماجم الأطفال والنساء وهُم نيام. يأتي الموت لمن ينتظر منهم الحصول على شربة ماء وكسرة خبز، ويأتي لينشر الفزع والرعب بين الناس ويأخذ أرواحهم هكذا وهُم عطشى للماء والحياة.
ويُعبّر المستوطنون عن فرحهم على منصّات التواصل الاجتماعي بعد ارتكاب آخر المجازر في حيّ تل الهوى، ومواصي خانيونس، وأحياء الشاطئ، والشجاعية، والزيتون، وتلّ السلطان، ومخيّم النصيرات. يُصرّح كثيرٌ من الإسرائيليّين بأنّهم لا يستطيعون النوم إلّا إذا رأوا بيوتاً مهدّمة، وعطشى وجوعى يتضوّرون جوعاً، وموتى يعالجون موتى، ومستشفيات تنزف دماً، وسماء يعلوها الصراخ والفزع من آخر الأهوال الصهيو - أميركية، وتستصرخ القريب والبعيد للنجدة من الإبادة.
لا مُرادف للصهيونية إلّا المجزرة، إلّا الرعب والدمار، إلّا الخراب والأذى. إنّ من يرادف الصهيونية بأنّها بيت ووطن لليهود لهُو أعمى البصيرة، فما هذا البيت والوطن الذي لا يستقيم إلّا بتهشيم جماجم الآخرين، أصحاب الأرض والبيت واللغة والمعنى على هذه الأرض الفلسطينية؟ ما هذا الكيان الإبادي الذي يعتاش عليها ويُبرّرها للعالم الغربي وغيره بأخسّ وأدنى التبريرات؟
يصوّر الغرب مرتكبي الإبادة كأيقونات حضارة وتقدّم وعِلم
معجزة الشعب الفلسطيني وهو يقف بلا ظهير، وحيداً في مهبّ الخراب والفقدان الأبشع في العالَم، يحارِب بابتسامة ويستشهد بابتسامة، ويقول "الحمد لله" على أبشع الأقدار، وكأنّ هاتين الكلمتين مفتاح للبيت الجديد والحديقة وارفة الظلال والأمن والأمان بينما جهنّم تستعر وتزداد سعيراً من حوله. شعبٌ يتقمّص منطق الجبال في التحدّي والإباء.
تُفزعني المجازر، وموت وخراب بلدي والمدن والأحياء التي تفتّحت عيناي على حُبّها واستوطنت نسائمها في مسامات جلدي، وتصرخ كلُّ الحروف في لغتي أن انتصري، انتصري ولو وهماً يا غزّة.
وتُفزعني بعض جيوب العالَم الغربي الثقافية حين تُنصِّب مجرمين إسرائيليّين من داعِمي المجزرة ورُعاة ثقافتها من أمثال المستعلِم يوفال نوا هاراري. حيث تجد وجهه يلمع على كثير من وسائل الإعلام الغربي، وهو يتحدّث ويفتي في شؤون البشرية، وأصولها، ومآلاتها، والنظام العالمي الذي يتحكّم به قتلة ومجرمون، ويستمع إليه الناس وهو يُغدق عليهم بالأفكار عن الذكاء الاصطناعي، وكيفية التعايش مع زحمة المعلومات والأفكار، ومآل البشرية مع شحّ الموارد أو كثرتها، وعمّن هُم أصحاب ثقافة وحضارة، وعمّن هُم بلا حضارة وشراذم، كما يشير إلى بعض المجموعات الفلسطينية. عجيبٌ أمر المتنفّذين في الحضارة الغربية وهُم يوظّفون أدوات مختلفة لإدارة التوحّش بأبشع صوَره باستخدام وتصوير من يقومون بالتوحّش كأيقونات حضارة وتقدّم وعِلم.
لعن الله العالَم، لعنه بكلّ الديانات وكلّ اللغات واللهجات. ولكِ مَن لكِ يا غزّة عمري، ويا صمت الدموع في القلب، ويا مهبط اللغة في الخيال، ويا أصدق منظار كاشف لحقيقة العالَم من دون شمّاعات زائفة.
* كاتب وأكاديمي فلسطيني مقيم في لندن