أسهب هاينتس كوهت، بلغةٍ تحليلنفسيةٍ مبتكَرة، في شرح مآلات الحاجة الوجودية لدى الطفل إلى الآخر الوالديّ كمثالٍ أعلى يُسْتَمَدُّ منه، عبر التماهي، الشعور بالقيمة، أو كمرآةٍ تعكس ولو لحين الانبهار والاندهاش بقدراته وبحيوّيته الإبداعيّة.
قد تُسفِر هذه الحاجة، الضروريّة في الطفولة، إن أزْمَنَتْ واضطَرَبَتْ، عن سعيٍ محموم إلى العظمة والقوّة وعن تشييء الآخر واستلاب ذاتيّته أو حتى إنسانيّته وإحالتِهِ امتداداً نرجسيّاً للنفس المنكوبة بإحساسها المتأصّل بالدونيّة. وما التماهي الأعمى والشرِس مع عقيدة سياسيّة أو دينيّة أو غيرها، بما في ذلك عقيدة الفردانية المتطرّفة المزدهرة في بعض المجتمعات الغربيّة، أو تلك الحمائلية والقبليّة في المجتمعات العربيّة، إلّا شكل من أشكال هذه الحاجة إلى التغذية النرجسيّة المتبادلة بين الفرد والجماعة التي انحرفت مساراتها نحو العنف والاستبداد ومديح الكراهية.
لِما نشْهَدُ من كوارث اجتماعية وسياسيّة أكثر من مقام، وأكثر من مقال، إلّا أنّه ثمّة تعاقد نرجسيّ خبيث بين الفرد والجماعة، وبين الزعيم والأمّة، إليه تستند وعليه تُعَوِّل الهويّات الأيديولوجيّة المنفلتة من عقال العقل والتاريخ.
من شأن هذا التعاقد أن يودي بأطرافه الواقعيين والمتخيّلين إلى التهلكة، إن لم يكتمل بميثاقٍ أخلاقيّ قوامه العدل والحريّة والتعدّديّة كما في حالات المقاومة المشروعة والاحتفاء البهيج المنفتح وغير الإقصائيّ بالخصوصيّات الجماعيّة والفرديّة.
* شاعر واختصاصي نفسي عِيادي من فلسطين